قصة مكحلة الكنوز العجيبة

في بلاد الكوفة، اقتنى منصور جرة قديمة تحتوي على مكحلة عجيبة تكشف الكنوز المدفونة. بعد اكتشافها، استخدمها ليعثر على دفائن كثيرة، لكنه واجه صعوبة في استخراجها بسبب الحراس الجن. تعاون مع بائع تمر ظُلم من شهبندر التجار، وابتكر خطة لاستعادة حقه والانتقام من ظلم شهبندر. بفضل حكمته وعدله، استخرج منصور الكنوز وأصبح أغنى أهل الكوفة، وعُيّن أميرًا للبلدة.

قصص طويلة

واحة الحكايات والقصص

قديمًا في بلاد الكوفة، عاش رجل يُدعى منصور.
كان منصور حديث عهد بالزواج، وبسبب ضيق حاله، كان يطالع السوق العتيق مرارًا؛ عسى أن يجد أشياء رخيصة الثمن يؤثث بها بيته الجديد.

وذات مرة، وبينما هو يتجول في السوق، لفت نظره جرة ماء قديمة، فاقتنىها بثمن زهيد، وعاد بها إلى بيته.
وفي أحد الأيام، وبينما كان منصور يستقي الماء من النهر، سقطت منه الجرة وانكسرت. فلاحظ شيئًا غريبًا ملقى حيث سقطت الجرة، بدا كأنه كان مُخبأً داخلها ومغطى بالطين. فالتقطه وأزال ما عليه من طين، فإذا به يجد مكحلة قديمة ما زالت تحتفظ بالكحل داخلها.

تعجب منصور من صاحبها الذي دسها في الجرة بتلك الطريقة التي لا يُخفى فيها إلا أعز الأشياء وأثمنها. عاد منصور إلى بيته وأعطى المكحلة لزوجته بعد أن نظفها ولمعها.
فظنت زوجته أنها هدية منه، ففرحت بها، وقررت أن تكتحل لتُظهر له فرحتها وسعادتها بهديته.

وبينما هي تنتظر عودته من الخارج، لمحت شيئًا يبرق في زاوية البيت. فتوجهت نحوه، لكنها لم تجد شيئًا، غير أنها ظلت ترى ذلك البريق هناك. فرفعت السجاد، فإذا بها تجد حلقها الذهبي الذي أهداه لها منصور يوم عقد قرانهما، وكانت قد أضاعته حينها ولم تجده.
فتَعَجَّبَت كيف استطاعت رؤية بريقه وهو قابع تحت السجاد.

فلما عاد منصور، حكَت له الأمر. فلما علم أنها اكتحلت بالمكحلة التي أحضرها لها، ظن أن الكحل معمول من خلطة تُقوِّي البصر وتجلي الغباش من العين. فأوصى زوجته بأن تحتفظ بالمكحلة في مكان آمن، لأنها ستنفعهما يومًا ما.

ومرت الأيام. وذات يوم، كان منصور يرتاد السوق العتيق كعادته، فسمع مُناديًا يصيح:

«يا أهل البلدة! إن جعفر شهبندر التجار قد أضاع كيس مال يخصه في هذا السوق، وسيُجزي من يجده بنصف ما فيه.»

فلما سمع منصور ذلك، أسرع إلى بيته وطلب من زوجته إحضار المكحلة العجيبة. فاكتحل بها، ثم عاد مسرعًا نحو السوق، وصار يطوف به ذهابًا وإيابًا حتى لمح بريقًا قادمًا من رحل حمار يعود لرجل عجوز يبيع التمر.

توجه إليه وألقى عليه السلام، ثم سأله:

«هل مر بك شهبندر التجار وابتاع منك شيئًا؟»

فرد بائع التمر:

«نعم، لقد مر علي البارحة، وطلب مني بعض التمر، فقدّمته له، فذهب دون أن يدفع لي ثمنه.»

قال منصور:

«ستحصل على ثمنه وزيادة، فلقد سقط كيس المال الخاص به في رحلك، وقد خصص نصف ما فيه لمن يعثر عليه.»

ثم أدخل يده في الرحل وأخرج كيس النقود، وأعطاه لبائع التمر، وطلب منه أن يذهب به إلى شهبندر التجار ويسلمه إياه، ويأخذ جائزته ليتقاسماها معًا.

استبشر بائع التمر خيرًا، وسار بالكيس إلى شهبندر التجار، وسلّمه إياه.
فما كان من جعفر إلا أن أخرج قطعة نقدية واحدة من الكيس ورماها له. فاستنكر بائع التمر فعله، وطلب منه نصف ما في الكيس كما وعد. فقال له جعفر شهبندر التجار:

«أتدري ما مقدار النقود في الكيس؟ إذن، فلقد فتحته دون إذني!»

ثم طرده من مجلسه، واتهمه بأنه أخذ من الكيس بعض النقود، كل ذلك أمام أنظار الحاضرين. فعاد العجوز حزينًا مطأطئ الرأس، وأخبر منصورًا بما جرى معه.

غضب منصور من ظلم جعفر وإخلاف وعده، ووعد بائع التمر بأنه سيأتي يوم يرد فيه الصاع صاعين لهذا الظالم. ثم ودّعه وانصرف.

وفي طريق عودته، لمح منصور بريقًا قادمًا من زاوية بيت مهجور. فأسرع نحوه، وبدأ يقلب التراب الذي يخرج منه ذلك البريق، لكنه لم يجد شيئًا. وكان البريق يزداد كلما أزال طبقة من التراب، وظل حائرًا.
أراد أن يحفر أعمق، لكن المكان كان يعج بالمارة، فارتأى أن ينصرف على أن يعود ليلاً.

وفعلًا، عاد منصور إلى بيته، وانتظر حتى خيّم الظلام على الكوفة، ثم انطلق يحمل معه معولًا حتى وصل إلى ذلك البيت المهجور. فبدأ بالحفر، وكله أمل أن يجد كنزًا ينقله من فقره إلى الغنى.

بعد مدة من الحفر، شعر بأن معوله ارتطم بشيء صلب. فتفحصه، فإذا هو حجر متناسق الأطراف، كأنه باب صخري يخفي شيئًا تحته.
رفعه منصور، فوجد تحته سردابًا مظلمًا. ولما همّ بالدخول، سمع حفيف حية قادمًا من داخله، فتريث قليلًا، ثم فجأة أطلت عليه برأسها البشع المخيف. وكانت حية ضخمة سوداء لم يرَ مثلها من قبل. فتراجع مسرعًا.

كان منصور خائفًا، لكنه رغم ذلك عزم أن يظفر بالكنز مهما كلفه. فصار يدفع الحجر قليلًا حتى تنكشف له الحية، فيضربها بمعوله، لكنها تعود كما لو لم يصبها شيء.
اندَهش مما رأى، فتذكر حينها ما كان يسمعه من أهل الكوفة عن دفائن الكنوز التي جعل لها أصحابها حراسًا من الجن على هيئة ثعابين ووحوش.

فخاطب الحية قائلًا:

«هل أنت حارسة هذا المكان؟»

فهزت الحية رأسها وبرقت عيناها، كأنها تؤكد.
ارتعب منصور، لكنه قال في نفسه:

«ربما هي مصادفة، فالحيات تهز رؤوسها عادة.»

ثم طمس الحفرة بشيء من التراب حتى لا يلاحظها المارة، وترك منفذًا صغيرًا للحية عسى أن تنصرف. وعاد إلى بيته وأخبر زوجته بما جرى، وقال لها:

«إن هذه المكحلة التي بحوزتنا ليست مكحلة عادية، ولا كحلها خلطة أعشاب كما ظننا، بل كحل عجيب يجعل من يكتحل به يرى بريق الكنوز حتى لو كانت مدفونة تحت الأرض. وأنا متيقن أننا سنصير أغنياء بفضل الله ثم بفضل هذه المكحلة.»

ومع بزوغ الشمس، لاحظ منصور أن مفعول الكحل قد اختفى، فعاد فاكتحل مجددًا، ثم انطلق يقصد ذلك المكان أملًا في أن تكون الحية قد غادرت السرداب.
فلما وصل، وجد المكان خاليًا من المارة، إذ كانت ساعات الصباح الأولى. فأسرع وأزال التراب حتى بدا له الحجر، فرفعه، فإذا بالمفاجأة الصادمة: لقد اختفى السرداب الذي عاينه في الليلة الماضية!

جلس منصور حائرًا يفكر في تفسير مقنع لما جرى معه، حتى تمكن منه اليأس، فنهض عائدًا إلى بيته منكسرًا، وأخبر زوجته بالأمر.
فاندَهَشت هي أيضًا، لكنها طيبت خاطره وقالت له مبتسمة:

«لا عليك يا منصور، فالمكحلة ستدلنا على كنوز أخرى لا محالة.»

أعادت كلماتها له عزيمته، فتذكر أن هذه المكحلة قادرة على كشف مواقع كنوز أخرى. لكنه تذكّر أيضًا أمرًا مهمًا:

«إن الكحل الذي فيها سينتهي يومًا ما، فإذا لم نُحصِّ مواقع الكنوز قبل ذلك ضاعت علينا الفرصة!»

فخطرت له فكرة ذكية. ذهب إلى السوق، واستأجر حصانًا لأسبوع كامل، واشترى قطعًا من الرَّق وريشة وبعض الحبر. ثم اكتحل، وبدأ يجوب شوارع الكوفة وضواحيها، وكان كلما لمح بريقًا يشير إلى دفين، أخرج قطعة رق وخط عليها خريطة تدل على موضعه.

استمر على هذا الحال أسبوعًا كاملًا حتى طاف المدينة كلها والمناطق المحيطة بها، فجمع خرائط لكنوز لا حصر لها.
فاطمأن قلبه، وصار يقول:

«حتى لو نفد كحل المكحلة، فقد أمنت مواقع الكنوز جميعًا.»

ثم جاء اليوم الذي قرر فيه منصور أن يبدأ الحفر. فاختار الأماكن المهجورة البعيدة عن الأنظار، تلك التي هجرت منذ زمن طويل ولا تعود ملكيتها لأحد، وبدأ بمحاولته الأولى.
لكنه ما إن حفر قليلًا حتى ظهر له حارس الدفين، على هيئة أفاعٍ أو وحوش صغيرة مرعبة، فتراجع.

ثم كرر المحاولة في مكان آخر، فتكرر معه نفس الأمر.
أيقن منصور حينها أن هذه الكنوز محروسة فعلًا بالجن، وأنه لا سبيل لاستخراجها إلا إن رافقه رجل صالح تقي ثابت القلب لا يخشى إلا الله، فيطرد بذكر الله هؤلاء الحراس.

فعاد إلى الكوفة متنكرًا، وادعى أن أباه ترك له وصية بكنز مدفون، وصار يسأل الناس عن كيفية استخراجه.
فقال له بعضهم:

«إن لهذا الأمر طقوسًا لا بد منها، أهمها أن يكون معك رجل عالم بالله لا يخاف إلا الله، يقرأ ما يطرد به الجن، فيسهل عليك استخراج الكنز.»

فلم يجد منصور أفضل من فقيه مسجد الكوفة ليساعده.
فتنكر، وذهب إليه، وطلب منه المساعدة، فاشترط الفقيه أن يكون له نصف الكنز.
تردد منصور قليلًا، لكنه وافق، إذ لم يجد حلًا غيره.

وحين حل الليل، انطلقا حتى وصلا إلى الخرِبة حيث الدفين، فبدأ منصور بالحفر، حتى ظهرت الحية السوداء.
فبدأ الفقيه يقرأ الآيات، لكنه ارتعد، وأخذ يتمتم. ثم أخرج قربته التي قرأ عليها آيات، فرش منها على الحية، فانتفضت غاضبة، وضربته بذيلها ضربة قوية أسقطته مغشيًا عليه.

هرع منصور مبتعدًا، لكنه رق قلبه للفقيه، فعاد إليه وحمله حتى أوصله إلى داره.

وفي الغد، اجتمع الناس في السوق يتحدثون عن حال فقيه المسجد وكيف نكل به الجن وأقعدوه.
فمر بهم رجل غريب عليه سيماء الوقار، فقال لهم:

«إن التقي الحق إذا طُلِبت خدمته أجاب دون مقابل، وإذا استودِع سرًّا صانه. أما فقيهكم هذا، فلم يكن للتقى صاحبًا ولا للتقوى شيمًا.»

ثم مضى، وتركهم حائرين.
لكن منصور وحده فهم مغزى كلامه، إذ كان الوحيد الذي يعلم ما دار بينه وبين الفقيه.
أدرك حينها أن هذا الفقيه ليس أهلًا ليواجه الجن، وصار يبحث متنكرًا عن شخص سبق له استخراج كنز مدفون.

حتى دلوه على المفاجأة:

إنه جعفر شهبندر التجار نفسه!
فلقد استولى سابقًا على خريطة كنز حولته من تاجر متجول بسيط إلى سيد تجار الكوفة.

جلس منصور يفكر طويلًا، ثم توجه إلى بائع التمر الذي ظلمه جعفر من قبل، وقال له:

«لدي خطة ستجعلنا أغنياء الكوفة، ونأخذ بثأرك من شهبندر التجار، لكني أحتاج مساعدتك.»

وافق بائع التمر على الفور، فشرح له منصور خطته.

ذهب بائع التمر إلى شهبندر التجار، وأخبره أنه وجد خريطة دفين ثمين، وأنه سيعطيه نصفه إن تكفل جعفر باستخراجه.
تهلل جعفر طمعًا، ووافق على الفور، وجلب الشيخ التقي الذي ساعده في دفينه السابق، ثم ساروا ليلًا حتى وصلوا المكان، فحفروا حتى ظهرت لهم عقارب وسحالي صغيرة.

قرأ الشيخ دعاءً خاصًا، فلما لم ينصرفوا، رماهم بحفنة رمل، فاحترقوا عن آخرهم.
استخرجوا الكنز وتقاسموه، فأخذ بائع التمر نصيبه وأصر على إعطاء الشيخ التقي ثلثًا، رغم رفض الشيخ أولًا، وكان هذا جزءًا من خطة منصور.

وفي اليوم التالي، عاد بائع التمر إلى جعفر، وقال له:

«لقد أتاني ابن عمي بخريطة دفين أكبر بكثير مما أخرجناه، ووكلني لاستخراجه. وكنت أستطيع الذهاب للشيخ التقي، لكنك صرت قريبًا إلى نفسي، وأحب أن نتشارك مجددًا.»

اغتر جعفر وقال:

«نعم، أنا لها!»

فقال له بائع التمر:

«ابن عمي أوصاني أن أعطي الشيخ التقي الثلث، لكني أرى أنك أحق به، وأنت خير من يقوم بعمل الشيخ، وقد صرت تحفظ طقوسه عن ظهر قلب.»

ازداد طمع جعفر وغروره، ووافق دون أن يفكر.
وحين جاء الليل، ذهب مع بائع التمر إلى الموضع، وحفروا حتى أطلت حية سوداء ضخمة.
حاول جعفر أن يقرأ ما سمعه من الشيخ، لكنه تلعثم من شدة الرعب، ثم رفع حفنة رمل ورماها عليها، فهبت الحية غاضبة، وضربته حتى أفقدته وعيه.

حمله بائع التمر وعاد به إلى بيته، وكانت هذه هي خطة منصور من البداية ليذيق الظالم من نفس كأس ظلمه.

ومن يومها، صار منصور يحفر الدفائن ويستخرج كنوزها بمعونة بائع التمر والشيخ التقي، حتى صار أغنى أهل الكوفة.
فلما علم أمير الكوفة بعدله وخصاله الحميدة، ولاه أمر البلدة، وأسند القضاء إلى الشيخ التقي، وأبقى بائع التمر أقرب الناس إليه.
أما المكحلة العجيبة، فلم تعد ذات قيمة بعدما أغنى الله أهل الكوفة جميعًا ببركة عدل منصور وحكمته.

لمشاهدة القصة على اليوتيوب