قصة الثرى والسجان
تحكي القصة عن رجلٍ ثريٍّ متهمٍ بجريمة قتل، أُلقي في سجنٍ على جزيرةٍ معزولة لا يخرج منها أحد إلا ميتًا. ولشدة خوفه من الإعدام، خطط مع أحد السجّانين للهرب داخل تابوت ميت، على أن يخرجه السجّان بعد دفنه بنصف ساعة. نفّذ الثري الخطة، وتمدّد داخل التابوت بجوار جثةٍ هامدة، ثم دُفن حيًّا، ينتظر لحظة النجاة. لكن الوقت طال، والهواء نفد، والذعر اشتدّ، فأشعل عود كبريت ليرى من بجانبه... فإذا به وجه السجّان نفسه!
قصص قصيرة
واحة الحكايات والقصص


يُروى في سالف العصر والأوان، أن رجلاً من أهل الثراء والجاه قد اتُّهِم بجريمة قتل، وزُجَّ به في سجنٍ حصين على جزيرةٍ نائية لا يصل إليها أحد، ولا يغادرها أحد، إلا إلى الموت!
وكانت تلك الجزيرة كأنها خارج الدنيا، تحفّها الأمواج من كل صوب، ويُقال إن من يدخلها لا يُرى بعدها إلا في كفن.
ذلك الثري، وقد أيقن أن مصيره الإعدام، سعى في حيلةٍ للفرار، ولم يكن له من سبيل إلا أن يُغري أحد السجّانين بالمال الوفير، وأوعده بكنوز لا تُعد ولا تُحصى إن هو خلّصه من محبسه.
فقال له السجّان: "يا هذا، إنك لا تدري أين أنت، فلا يخرج من هذه الجزيرة أحدٌ إلا محمولًا في صندوق الموتى! فإن كنت على استعدادٍ لأن تحيا في كفن، فربما وجدت لك مهرباً."
قال الثري: "وكيف ذلك؟"
قال السجّان: "في كل صباحٍ، عند العاشرة، إن وُجد بين المساجين من مات، وُضِع في تابوت من خشب، يُحمل إلى اليابسة ليوارى الثرى. فإن شئت النجاة، فعليك أن تتسلل إلى بيت التوابيت، وتدخل أحدها مع الميت، وسأحرص أنا على استخراجك بعد دفنك بنصف ساعة، إذ آخذ إجازة طارئة وأوافيك حيث دُفنت، فأُخرجك ونفترق بعدها، أنت إلى حريتك وأنا إلى سجني، وكأن شيئاً لم يكن."
فكّر الثري، وقال في نفسه: "هي مجازفة فيها حياة، خير من موتٍ محقق!" ووافق.
في اليوم الموعود، وعند فسحة السجناء، تسلل إلى دار التوابيت، فوجد تابوتين، فارتعد فؤاده، لكن شهوة الحياة تغلب الخوف. فتح التابوت الأول على يساره، فرأى جثة ساكنة، فأغمض عينيه، وتمدّد بجوارها، وكتم أنفاسه.
بعد قليل، سمع وقع أقدام الجنود، وشعر بالتابوت يُرفع ويوضع على سفينة، وأدرك أنهم قد أقلعوا.
ثم وصلوا إلى البر، وسمع أحدهم يقول: "ما أثقل هذا الميت!" فرد عليه آخر بسخرية: "إنهم المساجين المترفون، حتى في موتهم يثقلون!"
ثم شعر بالرمال تُهال على التابوت، حتى خفتت الأصوات، وعمّ الظلام، وصار في باطن الأرض.
راح يهدّئ نفسه، قائلاً: "نصف ساعة وتأتي النجاة..." لكن أنفاسه بدأت تضيق، والحرارة تشتد، والهواء يندر. مرت الدقائق كأنها دهور.
ثم فجأة، شعر بسعالٍ شديد، وأوشك على الاختناق، فأخرج عود كبريت من جيبه، وأشعل ضوءاً خافتاً، واقترب من ساعته، فإذا قد مضى أكثر من خمسٍ وأربعين دقيقة! قال في نفسه: "لعل الرعب خدعني بالزمن!" لكن شيئاً في قلبه قد ارتجف.
وخطر له خاطر أسود... "من يكون هذا الميت بجانبي؟" اقترب بعود الكبريت المرتجف نحو وجه الجثة... فلما بان له وجهها، كاد قلبه أن يتوقف...
لقد كان وجه السجّان نفسه!