قصة الصياد الفقير الذى كان يتصدق على الفقراء رغم فقره
تحكي القصة عن صيّاد فقير لا يملك قوت يومه إلا سمكة يبيعها ليطعم أسرته، لكنه رغم فقره آثر أرملةً جائعة وأطفالها على نفسه. فجازاه الله برزقٍ واسع، وفتح له أبواب الخير بطرق عجيبة؛ من لؤلؤة في بطن سمكة، إلى صندوق من الذهب، ثم نعمة فهم كلام الحيوانات. ومع كثرة الخير، ظل الصياد وفيًّا لعهد الصدقة، وبنى للفقراء مأوى وأرضًا يزرعونها. لكن زوجته الجشعة لم ترضَ، فانشغلت بالمال والقصور حتى خسف الله بقصرها، لتعود مذلولة إلى من احتقرتهم يومًا، وتدرك أن السعادة في العطاء لا في كنوز الدنيا.
قصص طويلة
واحة الحكايات والقصص


كان هناك رجلٌ فقيرٌ يذهبُ يوميًّا ليصطادَ من البحر. وكان يصطادُ كلَّ يومٍ سمكةً، يذهبُ بها إلى السوق، فيبيعها، ويشتري بثمنها طعامًا ليُطعم زوجته وأبناءه الصغار.وكان الرجلُ يقفُ منتظرًا دخول السمكةِ إلى الشبكة بفارغِ الصبر، وفجأةً رأى الشبكةَ تهتزُّ بشدة، فشدَّها مسرعًا، فإذا بها سمكةٌ كبيرةٌ، لم يسبق له أن اصطاد مثلها من قبل! أخذ السمكة وذهب إلى السوق، وفي الطريق سمع بكاء طفلٍ صغيرٍ، فذهب إليه مسرعًا، فرأى امرأةً جالسةً وبجوارها طفلان صغيران يبكيان بحرقة.
فقال لها: "لماذا يبكي أطفالكِ؟"
قالت: "إنهم لم يذوقوا طعامًا منذ يومين."
قال: "أليس في بيتكِ طعام؟"
قالت: "لقد تُوفي زوجي، وتركهم لي، وأخشى أن يموتوا من الجوع."
فبقي الرجلُ حائرًا، فهو لا يملكُ غير هذه السمكة التي اصطادها. ثم نظر إلى المرأة وأطفالها، وقال لها: "خذي هذه السمكة لكِ ولأطفالكِ."
فرحت المرأة كثيرًا، وأخذت السمكة وذهبت لتحضّرها لأبنائها، بينما عاد الصيّاد إلى البحر ليصطاد سمكةً أخرى.
وما إن رمى الشبكة من جديد، حتى رأى سمكةً أكبر من الأولى التي تركها للمرأة وأطفالها! فرح الرجل كثيرًا، وأخذ السمكة إلى السوق، فباعها، واشترى بها طعامًا، ولما عاد إلى زوجته وأخبرها بما حدث، غضبت وقالت: "لِمَ فَرّطتَ بالطعام؟"
قال: "لم أُفرّط به، لكنني تصدّقتُ به على أرملةٍ وطفليها الجائعين."
قالت: "وهل في القرية من هو أفقر منا؟"
قال: "لو رأيتِ الأرملة وأطفالها اليتامى، لعلمتِ أننا في نعمةٍ عظيمة."
وحين كانت المرأة تُحضّر السمكةَ لأطفالها، وجدت بداخلها لؤلؤةً ثمينةً، ففرحت كثيرًا، وقالت في نفسها: "هذه اللؤلؤة ستنقذنا من الفقر والجوع!" وفي الصباح، ذهبت إلى أحد تجّار المجوهرات، فلما رآها التاجر، دُهش وقال: "هذه اللؤلؤة تساوي ثروةً كبيرة، لكنني لا أملك ما يكفي." فأخذها إلى تاجرٍ كبير، فاشتراها بثمنٍ عظيم، وعادت المرأة إلى أطفالها ومعها الكثير من المال.
واشترت قصرًا وبجواره أرضًا زراعيّة، وكانت تذهب يوميًّا إلى المكان الذي أعطاها فيه الصيّاد السمكة، تنتظر عودته لتُكافئه، لكنه لم يَعُد.
كان الرجل فقيرًا جدًّا، يكسب قوت يومه من صيد السمك، وأحيانًا كان يذهب إلى الغابة ليجمع الحطب. وفي أحد الأيام، شبَّ حريقٌ بالغابة، ورأى أفعى صغيرة تحاول النجاة من النار، فدخل وسط النيران وأنقذها، فإذا بها تتحدث وتقول: "أنا جنّيّة، وسأكافئك على ما فعلت. الآن يمكنك أن تفهم كلام الحيوانات، وستعرف أسرارًا كثيرة. اجعل سِرَّك في قلبك."
ثم اختفت.
قال الرجل في نفسه: "لا شك أنني كنت أحلم! لكنه حلمٌ ممتعٌ جدًا." وذهب ليصطاد، فرمى الشبكة، ولما اهتزّت شدّها، فرأى سمكتين، وكانت إحداهما تبكي وتقول للأخرى: "لولا الصندوق الموجود في القاع، لما استطاع الرجل أن يصطادني!"
أدرك الرجل أن الأمر ليس حلمًا، وتساءل عن الصندوق. فغاص في الماء، وأخرج الصندوق، ولما فتحه في بيته، وجده مملوءًا بالذهب والمجوهرات!
فرح كثيرًا هو وزوجته، فقالت له زوجته: "الله رزقك لأجل بناتك."
قال: "ولأجل الفقراء الذين كنت أتصدق عليهم وأنا في أمسِّ الحاجة."
قالت: "ولكن، من اليوم فكر في بناتك فقط، ولا تتصدق على أحد."
قال: "أخاف أن يسألني ربّي: لِمَ لم تتصدق على عبادي مما أعطيتك؟"
قالت: "لو واصلت التصدق، سنعود فقراء كما كنا."
فقال: "يا رب، ساعدني على فعل الخير، واجعلني من عبادك الصالحين."
ثم بنى مأوى للفقراء في أرضه الزراعية، وعيّن رجلاً صالحًا ليتولى شؤونهم، ولم يُخبر زوجته.
وبعد فترة، لم يعد أحد يطلب صدقة، فسألت الزوجة زوجها، فأجابها بأن الله رزقهم بأرض زراعية يزرعونها ويكسبون منها.
قالت له: "أنا متأكدة أنك من اشتريت لهم الأرض!"
قال: "وما المشكلة في ذلك؟ هل ينقصكِ شيء؟"
قالت: "لا، ولكن أخبرني ما الذي جعلك تعطف على الفقراء؟"
قال: "لأنني عشت مأساتهم في طفولتي. كان أبي وأمي فقيرين جدًا، وكانا يخرجان يوميًّا لإحضار الطعام، حتى توفّاهما الله."
وذات يوم، علمت الزوجة أن أمها وأختها الأرملة قد أصبحتا من أغنى أغنياء القرية. فذهبت مع زوجها لزيارتهما، وفي الطريق، كانت العربة التي يجرّها بغلان تسير ببطء، فقال أحد البغلين للآخر: "تمهّل، فقد تعبت من سماع كذب هذه المرأة، التي تخلّت عن أهلها وهم فقراء، ثم رجعت إليهم بعدما أصبحوا أغنياء!"
سمع الرجل الحديث، وأدرك الحقيقة، وقال لزوجته: "سأقيم وليمة وأدعو إليها الجميع!"
تعجبت الزوجة وسألته: "كيف عرفت؟"
قال: "أحسستُ بذلك فقط."
قالت في نفسها: "زوجي يخفي سرًّا، أحيانًا يخبرني بأشياء لا أصدقها، ثم يتضح أنها حقيقية!"
وحين وصلوا إلى قصر الأم والأخت، هرعت الأرملة إلى الرجل وقالت: "أنت من أعطاني السمكة التي كان بداخلها اللؤلؤة! لقد غيّرت حياتنا!"
سمعت زوجته ذلك، فغضبت وقالت له بعد عودتهما: "ألم تتعلم مما جرى لك بسبب الفقراء؟"
قال: "اتقِ الله! ألم يكفك ما عندنا من ذهبٍ ويَاقُوت؟"
قالت: "أعرف أنك تخفي عني سرًّا، وإن لم تخبرني به، سأطردك من بيتي!"
زهق الرجل من كثرة كلامها، فذهب إلى القاضي وتنازل عن أملاكه، وقال لها: "الآن يمكن لكلٍّ منّا أن يعيش حياته كما يشاء."
قالت: "سأبيع البيت وأبني قصرًا كقصور الملوك، لم أحبّ يومًا حياتك التي حرمتني فيها من كل شيء لتُعطي غيري!"
وبعد مدّة، بَنَت قصرًا وملأته ذهبًا، لكن عند دخوله، خسفت الأرض بالقصر وبكل ما فيه! جلست تبكي أمام الخرائب، والناس يمرّون بها غير آبهين، بينما كان الفقراء يضعون لها الطعام والمال!
وفي أحد الأيام، مرّ زوجها، ففوجئ بما حدث، وقال لها: "ما الذي حصل؟"
قالت: "أراد الله أن يعاقبني على ما فعلته مع الفقراء. سامحني."
قال: "هيا معي نذهب إلى الدار التي بنيناها للفقراء، فقد سألوا عنك كثيرًا."
ذهبت معه، واستقبلتها بناتها، وقالوا لها: "هل لديك مانع أن تعيشي مع الفقراء؟"
قالت: "ما شأنهم؟ لقد شاء الله أن يحبس رزقهم في الدنيا، ومع ذلك، فهم يحمدون الله ويشاركون غيرهم."
قالت لزوجها: "اعذرني، لقد أخطأت بحقك وبدّدت مالك. سبحان من يُغيّر الأحوال."
لمشاهدة القصة على اليوتيوب
