قصة الخاتم الاسطورى
القصة تدور حول يونس، فتى بسيط من قرية صغيرة يكتشف خاتمًا سحريًّا يخفي سرًّا قديمًا، ليتبيّن أنه الوريث الشرعي لعرش المملكة. يطارده رجال جماعة مظلمة تُعرف بـ"ظل الليل" للسيطرة على الخاتم، فيخوض رحلة مليئة بالمطاردات والمعارك لكشف الحقيقة. يكتشف في النهاية أنه ابن الملك الراحل، فيستعيد العرش، لكن بدلاً من استخدام قوة الخاتم، يختار تدميره لإنهاء دائرة الحروب والطغيان، ويبدأ عهدًا جديدًا من العدل والحكمة.
قصص طويلة
واحة الحكايات والقصص
اكتب في قديم الزمان، في مملكة واسعة تمتد عبر الصحارى والوديان، كانت هناك قرية صغيرة على أطراف المملكة تُعرف باسم "الصفوان". لم تكن هذه القرية ذات شأن كبير، إذ كان أهلها يعيشون حياةً بسيطة بعيدة عن صخب القصر الملكي وصراعات الحكم.
في هذه القرية، كان هناك صبي يُدعى يونس، نشأ في كنف والدته بعد وفاة والده الذي لم يعرف عنه الكثير. كان يونس يعمل في السوق، يساعد البائعين ويحمل البضائع لقاء دراهم قليلة. لم يكن له أحلام كبيرة، لكنه كان دائم الشعور بأن هناك شيئًا ما مختلفًا في داخله، وكأن القدر يُخبئ له شيئًا لم يدركه بعد.
ذات يوم، وبينما كان يونس يسير في أطراف القرية بحثًا عن بعض الأعشاب التي طلبها منه أحد التجار، لفت انتباهه حجر صغير يبرز بين الرمال. كان لونه مختلفًا عن بقية الأحجار المحيطة به، فاقترب منه بحذر، وأزاحه بيده ليجد تحته خاتمًا ذهبيًّا قديمًا، تتوسطه جوهرة زرقاء داكنة، بدت وكأنها تلمع رغم أن الشمس كانت في طريقها إلى الغروب.
تردد قليلًا قبل أن يلتقطه، لكنه في النهاية أمسك به وتأمل النقوش المحفورة على سطحه. كانت كتابات قديمة لم يفهمها، لكنها بدت مألوفة بطريقة غريبة. دفعه الفضول إلى وضع الخاتم في إصبعه، وما إن فعل ذلك حتى شعر بحرارة خفيفة تسري في جسده، ثم تبعتها برودة مفاجئة، وكأن الخاتم استيقظ من سبات طويل. لم يفهم ما حدث، لكنه لم يعطِ الأمر أهمية كبيرة، ووضع يده في جيبه وأكمل طريقه عائدًا إلى السوق.
عند عودته إلى السوق، لاحظ أن بعض الأشخاص يراقبونه من بعيد. لم يكونوا من أهل القرية، فقد كانت ملابسهم مختلفة، ووجوههم غريبة عنه. حاول تجاهل الأمر، لكنه شعر بأن عيونهم لم تفارقه لحظة واحدة. لم يكن يعلم أن هؤلاء الرجال هم جزء من جماعة سحرية تُدعى "ظلّ الليل"، وهي جماعة سرية كانت تبحث عن هذا الخاتم منذ عقود، إذ قيل إن من يرتديه يصبح الوريث الشرعي للعرش، وأن الملك الراحل قد أخفاه قبل مقتله كي لا يقع في الأيدي الخطأ.
مع حلول الليل، عاد يونس إلى منزله الصغير حيث تعيش والدته، لكن القلق لم يتركه. كان يشعر أن هناك من يتبعه، وكان على حق. ففي منتصف الليل، بينما كان الجميع نائمين، تسلل بعض الرجال إلى القرية، يتحركون بصمت كالأشباح. كانوا يبحثون عن الصبي، ولم يكن لديهم أي نية للرحمة.
استيقظ يونس على صوت خطوات خفيفة تقترب من منزله. لم يكن هناك وقت للتفكير، فقفز من سريره ونظر عبر النافذة الصغيرة. رأى ثلاثة رجال يقفون أمام الباب، أحدهم كان يمسك بخنجر طويل، بينما كان الآخران يحملان أقواسًا وسهامًا. أدرك يونس أن الأمر خطير، وأنه لا بد أن يهرب قبل أن يتمكنوا من الإمساك به.
دون أن يحدث ضجة، تسلل إلى الجزء الخلفي من المنزل وقفز عبر النافذة، ثم بدأ يركض بين الأزقة الضيقة، متجهًا نحو الغابة القريبة. لكن الرجال لاحظوه، فانطلقوا خلفه بسرعة. كان يونس سريعًا، لكنهم كانوا أكثر خبرة منه في المطاردة، ولم يمضِ وقت طويل حتى وجد نفسه محاصرًا بين الأشجار.
وقف أمامه أحد الرجال وقال بصوت منخفض لكنه حاد:
"أعطنا الخاتم، ولن يصيبك أذى."
لكن يونس لم يكن يفهم ما يجري. لم يكن يعلم شيئًا عن قيمة هذا الخاتم، ولم يكن مستعدًا للتخلي عنه بهذه السهولة. تراجع خطوة إلى الوراء، لكنه شعر بظهره يصطدم بشجرة ضخمة، فأدرك أنه لا مفر.
في تلك اللحظة، بدأ الخاتم يتوهج بضوء خافت، وبدأت الأرض تهتز تحت قدميه. شعر الرجال بشيء غريب يحدث، فتراجعوا قليلًا، لكن زعيمهم أشار إليهم بالتقدم.
"أمسكوه قبل أن"
لم يكمل جملته، فقد انبعث من الخاتم شعاع من الضوء الأزرق، دفع الرجال بقوة إلى الخلف وأسقطهم أرضًا. ساد الصمت لوهلة، ثم سمع يونس صوتًا داخل رأسه، صوتًا لم يكن له مصدر واضح، لكنه كان واضحًا تمامًا.
"اهرب الآن... قبل أن يعودوا."
لم يفكر مرتين، بل استدار وركض بأقصى سرعته، تاركًا الرجال خلفه وهم يحاولون النهوض. لم يكن يعلم إلى أين يذهب، لكنه كان يعلم شيئًا واحدًا... أن حياته القديمة انتهت إلى الأبد.
عند الفجر، كان يونس قد وصل إلى تلة تطل على المملكة. من هناك، رأى أسوار القصر الملكي في الأفق، شامخة وسط الضباب. لم يكن يعلم ما ينتظره هناك، لكنه كان متأكدًا من شيء واحد...
أن هذا الخاتم يحمل سرًّا كبيرًا، سرًّا قد يغير مصيره ومصير المملكة كلها.
وقف يونس على التلِّ يُراقب القصر الملكي من بعيد، قلبه ينبض بقوةٍ، لم يكن يعلم ما الذي يتوجَّب عليه فعله الآن. كان كلُّ شيءٍ قد تغيَّر في لحظةٍ واحدةٍ، من مجرَّد فتى بسيطٍ في سوق القرية، إلى هاربٍ يحمل خاتمًا يبحث عنه رجالٌ مجهولون.
شعر ببرودةِ الفجر تتسلَّل إلى عظامه، لكنه لم يملك وقتًا للتفكيرِ في ذلك. نظر خلفه بحذرٍ، فلم يرى أثرًا لمن طاردوه ليلًا، لكنَّه كان واثقًا أنَّهم لن يتوقفوا.
بدأ في السيرِ نحو المدينةِ، حيث يُمكنه الاختباء بين الناس والتفكير في خطوته القادمة. كان يعلم أنَّ القصر هو مفتاح اللغز، لكنَّ دخوله مستحيلٌ دون معرفة المزيد عن هذا الخاتم.
بينما كان يقترب من بوابة المدينة، شعر بيدٍ تُمسك بذراعه فجأةً، التفت بفزعٍ ليجد أمامه رجلًا مُلثَّمًا، ذو عينين حادتين كالصقر. قال الرجل بصوتٍ منخفضٍ لكنه حازمٌ :لا تلتفت، ولا تتكلَّم. تعال معي إن كنتَ تُريد البقاء حيًّا."
شعر يونس بالارتباك، لكنَّه أدرك أنَّ المقاومة لن تُفيده. سار معه بصمتٍ بين الأزقةِ الضيِّقة حتى وصلا إلى بيتٍ قديمٍ، دفع الرجل الباب ودخل، وأشار ليونس أن يتبعه.
في الداخل، كانت الغرفةُ مضاءةً بمصباح زيتٍ قديمٍ، والجدرانُ مليئةٌ بالخرائط والكتبِ العتيقة. جلس الرجلُ على الأرض، وأشار ليونس أن يجلس.
"هل تعرف ما الذي تحملُه؟"
نظر يونس إلى الخاتم في يده، ثم إلى الرجل، وأجاب بصوتٍ خافتٍ: وجدتُه في الصحراءِ… والآن الجميعُ يُريد قتلي بسببه."
ابتسم الرجلُ ابتسامةً غامضةً، وقال: هذا ليس مجرد خاتمٍ، يا فتى. إنَّه خاتم الملك الشرعيّ، والدليل الوحيد على الوريث الحقيقيّ للعرش."
اتَّسعت عينا يونس بدهشةٍ، لكنه قال سريعًا: ماذا؟ أنا لستُ ملكًا! أنا حتى لا أعرف شيئًا عن القصر أو العرش!"
أومأ الرجل برأسه وقال بهدوءٍ: لكنَّهم لن يتركوك وشأنك. إنَّ جماعة ظلِّ الليل تسعى منذ سنواتٍ للسيطرة على المملكة، وهم بحاجةٍ إلى هذا الخاتم لإضفاء الشرعية على حكمهم. الملك الحقيقيّ قُتِل غدرًا، والوريث اختفى في ظروفٍ غامضةٍ… والآن أنتَ تحمل الدليل الوحيد على أحقِّيته."
شعر يونس ببرودةٍ تسري في جسده، لم يكن يعلم أنَّ الأمر بهذه الخطورة. سأل الرجل بعد تردُّدٍ: من أنت؟ ولماذا تُساعدني؟"
نظر إليه الرجل نظرةً حادَّة، ثم قال: اسمي أشرف، وكنتُ أحد قادة حرس الملك… قبل أن تخونه المملكة."
ساد الصمتُ للحظاتٍ، ثم تابع أشرفُ قائلًا: لا وقت لدينا للحديثِ كثيرًا. يجب أن نخرج من هنا قبل أن يُعثر علينا. إن كنتَ تُريد أن تبقى حيًّا، فعليك أن تُسافر إلى المكان الوحيد الذي يُمكن أن تجد فيه الإجابة… معبد النور في الجبالِ الشرقية."
شعر يونس بأنَّ الأرضَ تضيق من حوله، لكنَّه لم يكن يملك خيارًا آخر. نظر إلى أشرف، وأومأ برأسه موافقًا. لم يكن يعلمُ ما الذي ينتظره هناك، لكنه أدرك أنَّ هذه الرحلة لن تكون سهلةً… وأنها قد تكون رحلته الأخيرة.
غادر يونس مع أشرف تحت جنح الظلام، متسللين بين الأزقة الضيقة حتى وصلا إلى أطراف المدينة. هناك، كان حصانان مربوطين إلى شجرة، فركب أشرف أحدهما وأشار ليونس أن يركب الآخر.
"سنأخذ الطريق الشرقيّ عبر الممرات الجبلية، سيكون وعِرًا، لكنَّه أكثر أمانًا من الطرق الرئيسية."
تردد يونس للحظةٍ، لكنه امتطى الحصان أخيرًا، وشعر بقلبه يخفق بشدةٍ. لم يكن قد ركب حصانًا من قبل، لكنه لم يملك رفاهية التردد الآن.
تحركا بسرعةٍ عبر السهول، والمدينةُ خلفهما تُضيئها المشاعلُ القليلة في هذا الليل المظلم. شعر يونس بنسيم الليل البارد يلفح وجهه، لكنه لم يكن يعلم أنَّ العيون كانت تراقبهما من بعيد.
بعد ساعاتٍ من السفر، توقفا للراحة عند نبع ماء صغير بين الصخور. ترجل يونسُ من الحصانِ وجلس قرب الماء، يحاول استيعاب ما يحدث. اقترب أشرف وجلس بجانبه، وقال: يجب أن تكون مستعدًّا لما هو قادم، الجماعة لن تتوقف حتى تحصل على الخاتم."
نظر يونس إلى الخاتم في يده، ثم قال بصوتٍ منخفضٍ: أنا لا أفهم… لماذا أنا؟"
تنهد أشرف وقال: لأنك الآن الشخص الوحيد الذي يستطيع إيقافهم."
قبل أن يتمكن يونس من الرد، سمعا صوتًا في الغابة خلفهما. التفتا بسرعة، لكنَّ الظلام كان كثيفًا. أمسك أشرف بسيفه واستعد، وهمس: لسنا وحدنا… كن مستعدًّا للهرب إذا طلبتُ منك ذلك."
خرج من بين الأشجار ثلاثة رجالٍ بملابس سوداء، وجوههم مخفية تحت أقنعة، وأعينهم تلمع تحت ضوء القمر. قال أحدهم بصوتٍ هادئٍ لكنه حادٌّ: أعطونا الخاتم، ولن يكون هناك دماء الليلة."
وقف يونسُ متجمدًا في مكانه، بينما رفع أشرف سيفه وقال بثباتٍ:"إذا أردتموه، تعالوا وخذوه."
لم تمضِ سوى لحظةٍ حتى انقض الرجال عليهم بسرعةٍ خاطفةٍ. اشتبك أشرف مع أحدهم بسيفه، بينما اندفع الآخران نحو يونس. لم يكن يونس مقاتلًا، لكنه قفز إلى الخلف متفاديًا ضربةً خنجر كادت تصيبه في كتفه.
"اركض، يونس!" صرخ أشرف.
لكنه لم يكن قادرًا على الهرب، فقد كان المهاجمان أسرع منه. شعر بالخاتم في إصبعه يزداد دفئًا، وبدأ ضوءٌ خافت ينبعث منه، لكنه لم يفهم ماذا يحدث. فجأةً، حينما حاول أحد الرجال الإمساك به، أضاء الخاتم بضوءٍ أزرق شديدٍ، وأطلق موجةً من الطاقة دفعته أرضًا!
نظر الجميع إلى يونس بدهشةٍ، حتى هو نفسه لم يفهم ماذا فعل. استغل أشرف الفرصة، ووجه ضربةً خاطفةً إلى أحد الرجال فأوقعه أرضًا، بينما أمسك الآخر بذراعه المصابة وانسحب إلى الغابة.
كان الصمت ثقيلًا بعد القتال، ولم يكن سوى صوت أنفاسهما المتسارعة يملأ المكان. نظر أشرف إلى يونس بتركيزٍ، ثم قال: الآن تأكدتُ… هذا ليس مجرد خاتمٍ، بل هو مفتاح قوةٍ عظيمةٍ."
شعر يونسُ بقلبه يخفق بشدةٍ، ونظر إلى الخاتم في يده، وعرف أنَّ حياته لن تعود كما كانت أبدًا.
بعد لحظاتٍ من الصمت، اقترب أشرف من يونس وأمسك بيده ليتفحص الخاتم عن قرب. كان الضوء الأزرق الخافت لا يزال يتوهج قليلًا، وكأنه استجاب للخطر، ثم بدأ يخفت تدريجيًّا حتى عاد إلى طبيعته.
"هذا ليس مجرد رمز ملكيٍّ، بل يحمل قوةً لم أرَ مثلها من قبل"، قال أشرف وهو يتأمل النقوش المحفورة حول الجوهرة.
نظر يونس إليه بقلقٍ وقال: لكنني لا أعرف كيف يعمل… لقد انطلق الضوء وحده!"
أشاح أشرف بوجهه نحو الغابة المظلمة وقال بصوتٍ منخفضٍ: ليس الآن وقت الأسئلة، علينا مغادرة هذا المكان قبل أن يعودوا بأعدادٍ أكبر."
امتطى كلاهما حصانيهما وانطلقا مسرعين عبر الممرات الجبلية. بدأ الطريق يزداد وعورةً مع كل خطوةٍ، وأصبح الضبابُ يزحف بين الأشجارِ، مما جعل الرؤية صعبةً.
بعد ساعاتٍ من السير، وصلا إلى وادٍ ضيقٍ بين جبلين شاهقين. هناك، أشار أشرف إلى كهفٍ مخفيٍّ بين الصخور وقال: علينا أن نستريح هنا حتى يحلَّ الصباح، من الخطير أن نواصل الطريق في الظلام."
نزل يونس عن حصانه، وشعر بجسده مُنهكًا. جلس على صخرةٍ داخل الكهف وأخذ نفسًا عميقًا، بينما أشرفُ يُشعل نارًا صغيرةً.
"أخبرني، كيف وجدتَ هذا الخاتم؟" سأل أشرف وهو ينظر إلى يونس بعينين حادتين.
تردد يونسُ قليلًا، ثم بدأ يحكي قصته، كيف وجده بين الرمال، وكيف بدأت الأحداث تتوالى بعد ذلك. استمع أشرف بصمتٍ، ثم قال بصوتٍ خافتٍ: هذا يثبت ظنوني… هذا الخاتم لم يكن ضائعًا، بل كان مخفيًّا عمدًا، وكأنَّ أحدهم أراد أن يجده شخصٌ معينٌ."
نظر يونس إليه بدهشةٍ وقال: ماذا تقصد؟"
تنهد أشرف، ثم قال: هناك سرٌّ قديمٌ يحيط بهذا الخاتم، لا أحد يعلم تفاصيله سوى قلةٍ قليلةٍ من حكماء المملكة. لكن ما أعرفه يقينًا هو أنَّ هذا الخاتم لا يُمكن أن يعمل إلا إذا كان صاحبه من الدم الملكيّ الحقيقيّ."
ارتجف قلب يونس، ونظر إلى أشرف نظرةً ممتلئةً بالشكِّ والدهشة.
"ماذا تعني؟ أنا مجرد فتى من السوق، كيف يُمكن أن يكون لي علاقةٌ بالدم الملكيّ؟"
أشرف لم يُجبه فورًا، بل تأمله لثوانٍ، ثم قال: هذا ما سنعرفه عند وصولنا إلى معبد النور. لكن استعد يا يونس، لأن الحقيقة التي ستكتشفها قد تُغيِّر كل شيء."
مع شروق الشمس، غادر يونس وأشرف الكهف وواصلا طريقهما عبر الجبال. كلما اقتربا من المعبد، أصبح الجو أكثر غرابةً. كان الهواء ثقيلاً، وكأن المكان يحمل سحرًا قديمًا لم يلمسه أحدٌ منذ قرون.
بعد ساعاتٍ من السفر، ظهرت أمامهما بوابةٌ حجريةٌ ضخمةٌ، عليها نقوشٌ قديمةٌ تُشبه تلك الموجودة على الخاتم. توقف يونس، ونظر إلى أشرف قائلاً: هذا هو المكان؟"
أومأ أشرف برأسه وقال: نعم، هنا ستجد الإجابة."
تقدم يونسُ ببطءٍ، وقبل أن يلمس البوابة، بدأ الخاتم في يده يتوهج من جديدٍ. فجأةً، اهتزت الأرضُ قليلًا، وبدأت البوابة تتحرك، لتفتح طريقًا مظلمًا نحو الداخل.
شعر يونس بقلبه ينبض بقوةٍ… فقد اقترب أخيرًا من الحقيقة، لكنَّ السؤال الأكبر ظلَّ يطارد ذهنه: هل هو مستعدٌّ لما سيكتشفه؟
وقف يونس وأشرف أمام البوابة الضخمة التي بدأت تُفتح ببطء، مُطلقةً صريرًا ثقيلًا كأنها لم تتحرك منذ مئات السنين. شعر يونس بقشعريرةٍ تسري في جسده، وتردد للحظةٍ قبل أن ينظر إلى أشرف، الذي أومأ له برأسه قائلاً:
"لا تتردد، هذا المكان قد يحمل الإجابة التي نبحث عنها."
أخذ يونس نفسًا عميقًا ثم خطا إلى الداخل، تبعه أشرف بحذرٍ، حتى وجدا نفسيهما في ممرٍّ حجريٍّ طويلٍ مضاءٍ بمشاعل خافتةٍ، وكأن أحدًا كان هنا قبل وصولهما بوقتٍ ليس ببعيدٍ.
بينما كانا يسيران، بدأ يونس يشعر بثقلٍ غريبٍ على صدره، وكأن الهواء هنا مختلفٌ، مُحمَّلٌ بطاقةٍ غير مرئيةٍ. عندما اقتربا من نهاية الممر، ظهرت قاعةٌ واسعةٌ في وسطها حجرٌ ضخمٌ مُعلقٌ في الهواء، يدور ببطءٍ، وعليه نفس النقوش الموجودة على الخاتم.
اقترب يونسُ من الحجر بحذرٍ، وما إن رفع يده حتى بدأ الخاتم يتوهجُ بقوةٍ، وانبعث منه ضوءٌ أزرقُ امتدَّ كخيطٍ دقيقٍ نحو الحجر. فجأةً، اهتز المكان، وانفتحت الجدران لتكشف عن جدارياتٍ ضخمةٍ تحكي قصةً قديمةً.
وقف يونس وأشرف يتأملان الجدارياتِ التي بدت وكأنها تحكي تاريخ المملكة، لكنَّ أحد المشاهد لفت انتباه يونس أكثر من غيره: رجلٌ يرتدي الخاتم ذاته، ويحمل سيفًا مُضيئًا، وخلفه جيشٌ ضخمٌ.
همس يونسُ: ما هذا؟"
اقترب أشرفُ من الجدارية، ثم قال بصوتٍ خافتٍ: هذه ليست قصةً عاديةً… هذه نبوءةٌ قديمةٌ."
التفت يونس إليه بسرعةٍ وقال: أي نبوءة؟"
أشار أشرف إلى النقوش الموجودة أسفل الرسم وقال: النصُّ هنا يقول: عندما يسقط الملكُ الأخيرُ، ويضيعُ الخاتمُ بين الرمال، سيأتي وارثٌ لا يعرف نفسه، ليُعيد الميزان، ويحمل السيف الذي سيُنهي الظلام."
اتسعت عينا يونس وهو يشعر بقلبه ينبضُ بعنفٍ، ثم قال بترددٍ: تقصد… أنني…"
قبل أن يُكمل جملته، انطلقت فجأةً همساتٌ في أرجاء القاعة، وكأنَّ الجدران تتحدث. ثم بدأ الحجر المُعلق في الهواء يتوهج، وظهرت على سطحه صورةٌ غامضةٌ: رجلٌ عجوزٌ بملابس الكهنة، يجلس في مكانٍ مُظلمٍ، وعيناه تُحدقان في يونس مباشرةً.
فجأةً، تحركت الصورة، وسمع يونس صوتًا يخرج منها: لقد تأخرتَ كثيرًا، يا ابن الملك…"
تسمر يونس في مكانه، بينما شعر أشرفُ بيده تُمسك مقبض سيفه تلقائيًّا. كان المكانُ يُحاط بطاقةٍ غامضةٍ، وكأنَّ التاريخ نفسه عاد ليكشف عن سرٍّ ظلَّ مخفيًّا لسنواتٍ طويلةٍ.
لكن قبل أن يستوعب يونس ما يحدث، اهتزت الأرضُ فجأةً، وانطلقت أصواتُ خيولٍ في الخارج، ثم دوَّى صوتٌ قويٌّ من بعيدٍ: لقد وجدناه! لا تدعوه يهرب!"
التفت يونس إلى أشرف، الذي قال بسرعةٍ: علينا الخروج فورًا، وإلا فلن نرى الصباح!"
كان الخاتم في يده لا يزال يتوهج، والجداريات من حوله تُنيرُ بنورٍ أزرقٍ غامضٍ، وكأنها تُحاول أن تُخبره بشيءٍ قبل أن يفوت الأوان.
لكن لم يكن هناك وقتٌ… لأنَّ جماعة ظلِّ الليل وصلت!
دوَّت أصواتُ الخيولِ ووقعُ الأقدامِ في الخارج، وتردَّدت أصداءُ الصيحاتِ داخل المعبد. كان يونسُ ينظرُ إلى أشرف بعينين مُتسعتين، بينما أمسك الأخير بسيفه، واستدار نحو المدخل قائلاً بصوتٍ صارمٍ: يونس، لا وقت لدينا! يجب أن نهرب الآن!"
لكن يونس لم يتحرك، فقد كان لا يزال ينظر إلى الجدارية التي تُضيء وكأنها تحاول أن تقول له شيئًا. كانت الكلمات المنقوشة تلمع، ثم بدأت تتلاشى ببطءٍ. في تلك اللحظة، شعر بحرارةٍ مفاجئةٍ في يده، نظر إليها، فوجد أن الخاتم أصبح أكثر توهجًا من أيِّ وقتٍ مضى، وكأنَّه يستجيب لوجود الخطر.
قبل أن يتمكَّن يونس من التفكير، دوَّى صوت انفجارٍ قويٍّ عند مدخل المعبد، وتطايرت الحجارةُ في كل اتجاهٍ!
"أمسكوه! لا تدعوه يهرب!"
دخل جنودٌ مُقنَّعون يرتدون دروعًا سوداء، يحملون سيوفًا وأقواسًا، أعينهم تلمعُ تحت المشاعل التي يحملونها. كانوا عشرةً على الأقل، يتقدَّمهم رجلٌ ضخمُ الجثة، وجهه مُغطَّى بقناعٍ معدنيٍّ، وصوته عميقٌ كالرعدِ حين قال:
"لقد بحثنا طويلًا عنك، أيها الفتى… وأخيرًا وجدناك."
أمسك أشرفُ ذراع يونس وقال بسرعةٍ: اركض! لا تدعهم يُمسكونك!"
لكنه لم يستطع الركض، فقد كان جسده متجمدًا، وعيناه معلقتان بالخاتم الذي كان يُضيء أكثر فأكثر. فجأةً، تحرَّكت النقوشُ على الأرضِ، وبدأت تُشكل دوائر غريبةً، ثم انطلق منها شعاعٌ من الضوءِ اخترقَ سقف المعبدِ وكأنَّ شيئًا ما استيقظ بداخله!
تراجع بعض الجنود من هول المشهد، لكنَّ قائدهم لم يتحرَّك، بل رفع يده قائلاً: لا تدعوا هذه الأوهام تخدعكم! إنه مجرد فتى، الخاتم هو القوة الحقيقية، وليس هو!"
ثم أشار إلى رجاله فانطلقوا نحو يونس بسرعةٍ!
في اللحظة التي كاد أحد الجنود أن يُمسك بكتفه، انبعث من الخاتم وهجٌ ساطعٌ، واندفع تيارٌ قويٌّ من الهواءِ دفع المهاجم بعيدًا، ليصطدم بجدارِ المعبد بقوةٍ، فسقط أرضًا بلا حراكٍ!
تجمَّد الجميع في أماكنهم، حتى أشرف نظر إلى يونس بدهشةٍ. أما يونس نفسه، فشعر وكأنَّ شيئًا ما يُحرِّكه، قوةٌ لم يعرفها من قبل، وكأنَّ الخاتم كان يرشده.
نظر إلى القائد المُقنَّع وقال بصوتٍ لم يكن له من قبل، صوتٌ عميقٌ وقويٌّ: لن أدعكم تأخذونه."
ثم رفع يده، فتوهجت الأرضُ تحت أقدام الجنود، وبدأت النقوشُ تُضيءُ من جديدٍ، لتتشكل على هيئة رموزٍ دوَّنتها يدٌّ خفيَّةٌ في الهواءِ.
"تراجعوا!" صرخ أحد الجنود.
لكن القائد لم يكن خائفًا، بل رفع يده، وأخرج خنجرًا أسودَ اللون، نُقشت عليه رموزٌ حمراءُ. ثم قال بابتسامةٍ خبيثةٍ: إذًا، الخاتمُ بدأ يتقبلك… لكن هذا لن يُغيِّر شيئًا، لأنَّني لن أدعك تغادر هذا المكان حيًّا."
ثم قفز إلى الأمام بسرعةٍ لا تُصدق، ووجَّه خنجره نحو صدر يونس مباشرةً!
في تلك اللحظة، شعر يونس وكأن الزمن قد تباطأ، رأى الخنجر يقترب، لكنه لم يشعر بالخوف. بل شعر بقوةٍ غريبةٍ تدفعه إلى رفع يده، وما إن فعل ذلك حتى اندفع من الخاتم شعاعٌ أزرقُ كثيفٌ، ارتطم بالخنجر وحوَّله إلى رمادٍ في الهواء!
تراجع القائدُ إلى الخلفِ، يحدِّقُ في يونس بصدمةٍ، بينما أخذ الجنودُ يتبادلون النظراتِ فيما بينهم، وكأنهم لم يعودوا واثقين مما عليهم فعله.
أما أشرف، فقد نظر إلى يونس بدهشةٍ قائلاً: لقد… استيقظت قوة الخاتم."
لكن لم يكن هناك وقتٌ للدهشة، فقد اهتزَّ المعبدُ فجأةً، وكأنَّ الطاقة التي أطلقها يونس قد أيقظت شيئًا كان نائمًا تحت الأرض منذ قرون. تشققت الجدرانُ، وتساقطت الأحجارُ الضخمةُ، ثم انطلقت من قلب المعبد صرخةٌ غامضةٌ، حملت معها كلماتٍ بلغةٍ لم يفهمها أحد.
شعر الجميعُ بالخوفِ، حتى القائدُ المُقنَّعُ، الذي تراجع خطوتين إلى الوراء. ثم سمع الجميعُ صوتًا ينبعث من أعماقِ الأرضِ: لقد عاد… الوريثُ عاد… وستعود معه الحربُ من جديد…"
نظر يونس إلى أشرف، ثم إلى الجنود، ثم إلى الخاتمِ في يده، وأدرك في تلك اللحظة أنَّ حياته البسيطةَ قد انتهت للأبد، وأن ما ينتظره الآن أعظمُ من مجرد هروب… إنَّه حربٌ قديمةٌ لم تنتهِ بعد.
دوَّى الصوت الغامض في أنحاء المعبد، وكأنَّ الجدران نفسها تُحذِّرهم من شيءٍ عظيمٍ قادم. ازداد توهج الخاتم، وانبعث منه شعاعٌ من الطاقةِ ضرب الأرض، فبدأت الحجارة تتساقط من السقف، واهتزَّت الأعمدة الضخمة، وكأن المكان ينهار من الداخل.
صرخ أشرف: "يجب أن نخرج فورًا!"
لكنَّ القائد المُقنَّع لم يتحرك، بل كان يُراقب يونسَ بعينين مُشتعلتين بالغضب، ثم قال بصوتٍ باردٍ: لا تعتقد أنَّك انتصرت… سنجدك مجددًا، ولن تهرب في المرة القادمة."
ثم أشار بيده، فتراجع جنودهُ بسرعةٍ، واختفوا وسط الغبارِ المتصاعد. أما يونس، فلم يستطع التفكير في شيءٍ سوى النجاة، فركض مع أشرفِ نحو المخرجِ بينما كانت الصخورُ تتساقط خلفهم.
وصلوا إلى البوابة الضخمة، لكنها كانت قد بدأت في الانغلاق! قفز أشرف أولًا عبر الفتحةِ المتبقية، ثم التفت إلى يونس قائلاً: "اقفز الآن!"
تردَّد يونسُ للحظةٍ، لكنه حسم أمره، وانطلق بأقصى سرعته، قافزًا عبر البوابة في اللحظة الأخيرة، قبل أن تنهار خلفه بالكامل، وتُغلق المعبد إلى الأبد.
جلس يونسُ على الأرضِ يلهثُ، ينظرُ إلى الغبارِ المتصاعدِ من بين الصخور، ثم رفع يده ونظر إلى الخاتم، الذي كان لا يزالُ ينبضُ بضوءٍ خافتٍ. شعر أنَّه قد اجتاز مرحلةً خطيرةً… لكنَّه كان يعلم أن هذا لم يكن سوى البداية.
وقف أشرف بجانب يونس، ينفضُ الغبارَ عن ملابسه، ثم قال بصوتٍ هادئٍ لكنه حازمٌ: الآن لم يعد هناك مجالٌ للعودة. الجماعةُ لن تتوقف عن ملاحقتك، والمملكةُ ستعرف قريبًا أن حامل الخاتم قد عاد."
نظر يونسُ إليه وقال بقلقٍ: "لكنني لا أعرف ماذا أفعل… لا أريد أن أكون جزءًا من حربٍ لا أفهمها!"
وضع أشرف يده على كتفه وقال بهدوءٍ: "سواءٌ أردتَ أم لا، القدرُ قد اختارك. عليك أن تُقرر… إما أن تواجه الحقيقة، أو أن تهرب إلى الأبد. لكن تذكَّر، الخاتم لا يُمكن إخفاؤه، سيبحثون عنك في كل مكانٍ."
ظلَّ يونس صامتًا للحظاتٍ، ثم نظر إلى الأفق، حيث تلوح مملكةُ الرُبى، العاصمةُ العظيمةُ، التي كان يعلمُ أنَّه لا يُمكنه دخولها بسهولةٍ، لكنها قد تكون المكان الوحيد الذي يجدُ فيه الإجابات التي يبحثُ عنها.
تنفَّس بعمقٍ، ثم التفت إلى أشرف وقال بحزمٍ: سأواجه مصيري… وسأكتشفُ الحقيقة."
ابتسم أشرف وقال: "إذًا، فلنبدأ الرحلة… نحو الحقيقة."
ثم امتطى كلاهما حصانيهما، وانطلقا عبر الطريقِ الطويلِ نحو العاصمة، حيث كانت الأسرارُ تنتظرُ من يكشفها، وحيث كانت العيونُ تترقبُ قدوم حامل الخاتم الملكي.
وصل يونس وأشرف إلى مشارف مدينة الرُبى، لكن المشهد الذي رأوه أمامهما لم يكن كما توقعا. كانت أعلامُ الحربِ ترفرفُ فوق الأسوار، وجنودُ الجماعةِ السوداء يحيطون بالمدينة وكأنهم يستعدون لاقتحامها.
نظر يونسُ إلى أشرف وقال بقلقٍ: "لقد سبقونا… ماذا سنفعل؟"
رد أشرف بصوتٍ منخفضٍ: "يبدو أنهم علموا بأمرك ويريدون السيطرة على المدينة قبل أن تدخلها… لكن هذا يعني أيضًا أن الملك الحاليّ يشعر بالخطر."
نظر يونسُ إلى بوابات المدينة، ثم إلى السماء حيث كانت الطيورُ تحومُ فوقها، وكأنها تشعرُ بالتوتر الذي يملأ الأجواء. ثم قال بحزمٍ: "لا خيار لنا… يجب أن ندخل."
تسلَّلا عبر أسوارٍ قديمةٍ مهجورةٍ، وتمكَّنا من دخول المدينة، لكن ما إن وضعا أقدامهما داخلها حتى دوَّت الأبواق، وارتفعت الصيحاتُ من كل مكانٍ. كان جنود الجماعة السوداء قد اخترقوا الدفاعات، والقتالُ قد بدأ!
وسط الفوضى، أمسك أشرفُ بسيفه وانطلق يقاتلُ الأعداء، بينما وجد يونس نفسه محاصرًا في ساحة القصر، حيث وقف قائد الجماعة المُقنَّعُ أمامه، يحملُ سيفًا أسود طويلًا، وعيناه تلمعان تحت القناع.
"أخيرًا التقينا وجهًا لوجه، يا حامل الخاتم."
رفع يونسُ يده، وشعر بالقوة تسري في جسده. ثم قال بصوتٍ مُحملٍ بالعزم: لن أدعك تأخذ الخاتم… ولن أدعك تُسيطر على المملكة!"
ضحك القائدُ بسخريةٍ، ثم انقضَّ عليه، واندلعت معركةٌ عنيفةٌ، حيث اشتبك السيفُ الأسود مع قوة الخاتم، وكان كل ضوءٍ ينبعث من يونس يقابله ظلٌّ أسودُ من خصمه.
استمر القتالُ طويلًا، حتى تمكَّن يونسُ أخيرًا من تركيز قوة الخاتم في راحة يده، وأطلق شعاعًا قويًّا أصاب القائدَ مباشرةً، ليُسقطه أرضًا.
وقف يونسُ فوقه، والخاتمُ في يده يتوهجُ بشدةٍ، بينما قال القائد بصوتٍ ضعيفٍ: قد تربح هذه المعركة… لكن الحرب لم تنتهِ بعد."
ثم اختفى جسده في دخانٍ أسودٍ، ليترك يونس واقفًا وحده، بينما المدينةُ من حوله تهتفُ باسمه.
دخل يونسُ القصر، حيث كان الملكُ العجوزُ المُريضُ بانتظاره. عند رؤية الخاتم في يده، أومأ الملك برأسه وقال بصوتٍ خافتٍ: إذن… لقد عاد الدم الملكيّ."
أدرك يونسُ في تلك اللحظة أنَّ الحقيقة كانت أمامه طوال الوقت. لم يكن مجرد فتى من السوق، بل كان الوريثَ الحقيقيّ للعرش، ابن الملك الراحل، الذي أُخفي عن العالم لحمايته حتى يأتي اليوم الذي يستعيدُ فيه حقه.
تقدَّم أشرفُ، ثم ركع أمامه قائلاً: "مولاي… آن الأوان أن تعيد المملكة إلى مجدها."
نظر يونس إلى القصرِ من حوله، وإلى الناسِ الذين يُهللون له، ثم إلى الخاتم في يده، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول:
"لن أكون ملكًا يحكم بالسيفِ والقوة، بل سأكون ملكًا يُعيد العدل إلى المملكة."
وفي تلك اللحظة، بدأ عهدٌ جديدٌ… عهدٌ لم يكن مجرد حكمٍ، بل أسطورةٌ لن تُنسى.
جلس يونسُ على العرش، والخاتمُ لا يزال يتوهجُ في يده، لكنه لم يشعر بالراحة. لقد حارب، ضحَّى، وانتصر، لكن شيئًا ما في داخله كان يخبره أن هذه القوة ليست بركةً، بل لعنةً ستُعيد الحرب يومًا ما.
وقف أمامه أشرفُ، وعيناه تراقبانه بترقبٍ، ثم قال: "المملكةُ تنتظرُ قرارك يا مولاي… ما الذي ستفعله بالخاتم؟"
صمت يونسُ للحظاتٍ، ثم رفع يده ونظر إلى الجوهرة الزرقاء المتوهجة، وقال بحزمٍ: سأنهي هذه الدائرة للأبد… سأنهي وجود هذا الخاتم حتى لا يُستخدم يومًا ما لجلب الظلام من جديد."
علم يونس أن الطريقة الوحيدة لتدمير الخاتم كانت في أعماق جبل الهلاك، حيث يُقال إن نارًا أزليةً لا يُمكن أن تُطفأ أبدًا، كانت تستخدم في الماضي لصهر المعادن السحرية.
رافقه أشرفُ في رحلته، ومعهما مجموعةٌ صغيرةٌ من الجنود، لكن كلما اقتربوا من الجبل، شعر يونس أن الخاتم يُحاول مقاومته. كانت رؤى غريبةٌ تملأ عقله، أصواتٌ من الماضي تهمس له: لا تدمرني… أنا قوتك… أنا مجدك…"
لكنه كان ثابتًا في قراره، ولم يتراجع.
عندما وصلوا إلى قمة الجبل، وقف يونسُ فوق فوهة البركان، والنارُ المشتعلة في الأسفل تعكس ضوءها على وجهه. أمسك بالخاتم، وشعر بأن القوة تحاول منعه، لكنَّه استجمع كل شجاعته، ونظر إلى أشرف قائلًا: حان وقت إنهاء هذا العصر."
ثم ألقى بالخاتم في النار.
ما إن سقط الخاتم في الحممِ حتى دوَّى صوتٌ هائلٌ، وانبعثت موجةٌ من الطاقة اجتاحت الجبل، ثم اختفى الضوءُ فجأةً… وساد الصمت.
شعر يونسُ أن حملًا ثقيلًا قد زال عن كاهله، وكأن شيئًا قد تحرر داخله. نظر إلى يده، ولم يعد هناك أي أثرٍ للخاتم، لقد انتهى تأثيره إلى الأبد.
عندما عاد إلى المملكة، استقبله الناسُ كقائدٍ حكيمٍ، وليس كملكٍ ساحرٍ. أعلن بداية عهدٍ جديدٍ، بلا سحرٍ ولا قوى غامضة، بل بالعدل والحكمة.
وفي الليلة الأولى بعد عودته، وقف على شرفة القصر، ينظر إلى السماء الصافية، وقال في نفسه:
"ربما لم أُصبح أعظم ملكٍ في التاريخ، لكنني الملكُ الذي أنهى أسطورةً كادت أن تُدمر الجميع."
لمشاهدة القصة على اليوتيوب
