قصة الحطاب وجني الغابة
تحكي القصة عن حطّاب فقير كان يعيش من عمل يده، يقطع الحطب ليطعم أسرته. وفي يومٍ من الأيام، ظهر له جني طيّب من الغابة، ومنعه من قطع الأشجار، لكنه عوّضه بشاةٍ عجيبة نصفها أبيض ونصفها أصفر، تعطي اللبن من جهة، والسمن من الجهة الأخرى. عمّ الخير بيت الحطّاب، لكن جاره الحاسد تجسّس عليه وسرق الشاة، فخسر الحطّاب رزقه. عاد إلى الغابة حزينًا، فأعطاه الجني مكيالًا يحوّل الحصى إلى فضة، لكن الجار سرقه أيضًا. وعندما عاد الحطّاب إلى الجني للمرة الأخيرة، منحه صندوقًا سحريًا يخرج منه رجل صغير يحميه وينتقم من الظالمين. بفضل الصندوق، استعاد الحطّاب حقّه، وكشف القاضي ظلم الجار، فعاد الخير إلى صاحبه، ونال الحاسد جزاءه.
قصص طويلة
واحة الحكايات والقصص


يحكى أن حطابًا كان يسكن في إحدى القرى النائية، وفي كل صباح كان يقصد الغابة فيقطع ما استطاع من الحطب، ثم ينزل به إلى السوق فيبيعه ويطعم بثمنه زوجته وأولاده.
وفي أحد الأيام، وصل الحطاب إلى الغابة، ولما رفع فأسه، ظهر له جني ذو لحية بيضاء، وقال له: إنك تزعجنا بحضورك، فكفّ عن قطع هذه الأشجار وابتعد من هنا!
فأجابه الحطاب: ومن أين نأكل أنا وزوجتي وأولادي؟
فأطرق الجني رأسه قليلاً، وقد أخذته الشفقة على الرجل المسكين، ثم نظر إليه وقال:
أنا أعوضك عن الحطب.
تعجّب الحطاب وسأله: وبماذا تعوضني؟ فأنا لا أرى عندك شيئًا!
فقال له الجني: انظر وراءك.
فاستدار الحطاب، فرأى شاة نصفها أبيض ونصفها الآخر أصفر. فقال له الحطاب: إنها مجرد شاة!
فرد الجني: إذا حلبتها من الجهة البيضاء، تعطيك لبنًا، وإذا حلبتها من الجهة الصفراء، تعطيك سمنًا، والخير لا ينقطع منها أبدًا. والآن، خذها وانصرف، ولا ترني وجهك بعد الآن!
فأخذها الحطاب وانصرف، ولما وصل إلى بيته أخبر زوجته بالقصة، وأمرها بحلب الشاة. وما إن أمسكت ضرعها حتى فاض الحليب، وحين دارت إلى الجهة الأخرى فاض السمن. فكاد الرجل يطير من الفرح، وملأ جرتين كبيرتين، واحدة من اللبن والثانية من السمن، ونزل بهما إلى السوق، فباعهُما ثم اشترى أربع جرار.
وبعد خمسة أيام، رجع الحطاب إلى داره بحمار محمّل بكل الخيرات. ثم مضت مدة طويلة، وأصبح له حمار، ثم ثلاثة، وظهرت عليه آثار النعمة.
وكان جار الحطاب ينظر إليه كل يوم ويتساءل: من أين جاءه كل هذا الرزق؟!
وذات يوم، قال لامرأته: أريدك أن تذهبي إلى دار الحطاب وتعلمي ماذا يوجد في تلك الجرار!
انتظرت الزوجة حتى خرج الحطاب إلى السوق، ثم ذهبت لجارتها وطرقت الباب. ففتحت لها زوجه الحطاب، ورحبت بها، ثم ذهبت وأحضرت لبنًا وسمنًا وخبزًا، وقالت لها: هيا نفطر معًا.
تذوقت الجارة الطعام فأعجبها، وقالت: هل لديك الكثير من هذا اللبن والسمن؟
فأجابت زوجة الحطاب دون أن تفكر: نعم، نأكل ونبيع منه كل يوم!
فخاطبت المرأة نفسها قائلة: هذا يلزمه قطيع كبير من الأغنام، ودار جارتي بالكاد تكفيها هي وزوجها وأولادها الثلاثة!
ثم همست في نفسها مرة ثانية: لا بد أن أعرف سر جارتي!
فقالت لجارتها: ابني مريض، هل تعطيني شيئًا من طعامك؟
فأجابتها زوجة الحطاب: طبعًا، انتظري قليلاً هنا وسأملأ جرة هدية لكِ.
ولما قامت زوجة الحطاب، اتبعتها جارتها دون أن تشعر، ونظرت من النافذة إلى الحديقة الصغيرة، فرأتها تحلب شاة غريبة اللون. فابتسمت بمكر وعادت إلى مكانها بهدوء، ثم أخذت جرتها وانصرفت دون أن تنظر خلفها.
وعندما عادت لبيتها، أخبرت زوجها بما رأت. فانتظر الرجل حتى حلول الليل، ثم ذهب وتسلق سور الحديقة، وأخذ الشاة ووضع مكانها واحدة أخرى مصبوغة بنفس اللون.
وبعد أن اطمأن أن جاره لم يعرف شيئًا، رجع إلى الدار وخبّأ الشاة. وفي الصباح، وضعت زوجة الحطاب الجرة، وأرادت أن تملأها كما تعودت، لكنها لم تجد سوى قدر بسيط من اللبن. فذهبت مسرعة وأخبرت زوجها، فجاء الرجل يجري، ثم نظر إلى الشاة وصاح: هذه ليست شاتنا! لقد سرق أحدهم الشاة!
ثم نظر إلى زوجته وسألها: هل أتى إلى بيتنا أحد البارحة؟
فأخبرته الزوجة بما حدث مع جارتها ليلة أمس. فقال الرجل غاضبًا: لا يوجد غير جاري، فهو شخص لئيم!
فذهب الحطاب إلى القاضي واشتكى جاره، فأمر القاضي الجنود بأن يحضروه، فحضر الرجل مع الجنود، وما إن واجهه القاضي حتى قال له الرجل: هذا مجنون! فهل سمعتم يا فضيلة القاضي عن شاة تعطي لبنًا وسمنًا؟!
فقال القاضي للحطاب: لا أريد أن أراك هنا مرة أخرى، وإياك أن تزعج جارك، وإلا عاقبتك!
فرجع الحطاب إلى داره حزينًا، وصار ينفق مما عنده من مال حتى نفد، ثم باع الجرار والحمير، ولم يبقَ معه شيء، واشتدّ الجوع بأولاده.
وفي صباح أحد الأيام، رجع الحطاب إلى الغابة، وهو يشعر بالخجل من نفسه، وأخذ يضرب الفأس في جذوع الشجر، فأتاه الجني، وقد ظهر على وجهه الغضب، وقال له: ألم نتفق على ألا تعود هنا؟!
فأجابه الحطاب بيأس قائلًا: لقد احتال عليّ جاري وسرق الشاة التي أعطيتني إياها، ولم آتِ إلى هنا إلا بعدما جعت أنا وزوجتي وأولادي!
فقال له الجني: لا تقلق، خذ هذا المكيال، وإذا وضعت فيه الحصى، فستتحول إلى فضة، وهذه المرة احرص على ألا يضيع منك.
ففرح الحطاب بما أعطاه الجني، وأخذه وعاد به إلى داره، ثم تناول بعض الحصى ورماها في المكيال، فتحولت الحصى إلى قطعة من الفضة! فلم يصدق الحطاب ما رأى، وصاح فرحًا: سنصبح من الأغنياء!
ثم التفت إلى زوجته وقال: أسرعي يا امرأة، واذهبي إلى جارتنا وهاتي لنا من عندها صندوقًا لنملأه من الفضة. وسأذهب به إلى السوق الآن وأشتري طعامًا وصناديق جديدة.
فذهبت الزوجة مسرعة إلى جارتها، وقالت لها: أريد صندوقًا وسأعيده إليكِ غدًا.
فأعطتها جارتها صندوقًا قديمًا، وأخذت تتساءل في نفسها: ماذا سيضعون فيه؟ فإنهم لا يملكون شيئًا!
ثم ذهب الحطاب إلى السوق، وباع الفضة التي معه، ثم عاد إلى داره وأعاد بنائها، وصارت امرأته ترتدي أفخر الملابس، وأولاده يأكلون أطيب الطعام.
وكان جارهم ينظر إليهم ويقول في نفسه: كانوا يطلبون منا باقي طعامنا، فكيف تغير حالهم وأصبحوا أحسن منا؟!
ثم قال في نفسه مرة أخرى: لا بد أن أعرف السر وراء ذلك. نعم، إن تلك الشاة التي تعطي اللبن والسمن جعلت مني رجلًا ميسورًا، لكن ذلك لا يكفيني! فأنا أريد كل شيء يملكه جاري!
وفي صباح اليوم التالي، قالت زوجة الحطّاب لزوجها: أرجِعْ الصندوق لجارتنا كما وعدتَها!
فأخذ الصندوق، وما إن همَّ بالخروج من البيت حتى تذكّر أن فيه بعض الحصى التي تحوّلت إلى فضة، فحملها في يده وسكبها في صندوق آخر، لكنه نسي حجرًا صغيرًا في زاوية الصندوق.
وما إن عاد بالصندوق إلى بيت الجيران حتى تناولته الزوجة الفضولية بسرعة، وفتحته، فقلبته على الأرض لعلّها تجد شيئًا، وإذا بحجر صغير يسقط منه، فأمسكته بين أصابعها، ونظرت إليه، ثم قالت لزوجها: تعالَ وانظر! هذا الحجر لامع!
فأخذه الرجل وقال: يبدو أن جارنا تحوّلت حياته بسبب هذا الحجر!
ثم فكّر قليلًا، وقال: هذا الصندوق هو السرّ، لا بد أنه كان يحمل شيئًا غريبًا!
وفي الليل، تسلّل الرجل إلى بيت الحطّاب كعادته، وتسلّق السور، ثم دخل إلى الحجرة التي كانت فيها الأدوات، وأخذ المكيال، ووضع مكانه واحدًا آخر يشبهه، ثم انصرف دون أن يشعر به أحد.
وفي الصباح، تناول الحطّاب حفنة من الحصى، وألقاها في المكيال، فبقيت كما هي! فصاح: ما الذي حدث؟!
فأعاده مرة أخرى، فلم يتغير شيء! فنظر إلى المكيال، فعرف أنه ليس مكياله، فقال لزوجته: لقد سُرق المكيال أيضًا!
فبكت المرأة، وقالت: ماذا سنفعل الآن؟!
فأجابها: لن أستسلم! سأرجع إلى الغابة.
ورجع الحطّاب إلى الغابة كعادته، وهناك انتظر طويلاً، ثم أخذ يضرب الشجر بفأسه، وما إن ظهر له الجني حتى نظر إليه وقال له بحدة: أما زلت هنا؟ ألم أعطك ما يسد حاجتك؟!
فأجابه الحطّاب والدموع في عينيه: سرقني جاري مرتين، وكلما أعطيتني شيئًا، سُرِق منّي!
فأطرق الجني رأسه، ثم قال: هذه المرة الأخيرة، وإن خسرته، فلن ترى وجهي بعد ذلك!
ثم مدّ الجني يده وأعطاه صندوقًا خشبيًّا صغيرًا، وقال له: إذا فتحته، خرج منه رجل صغير، يطيع أمرك، ويضرب من ظلمك، ويحفظ مالك، ثم يعود إلى الصندوق، فاحفظه ولا تعبث به!
فقال له الحطّاب: أشكرك أيها الجني الكريم.
وحمل الصندوق ومضى إلى بيته، ثم فتحه، فخرج منه رجل صغير، نظر إليه وقال: ماذا تأمرني؟
فقال الحطّاب: قم ونظّف الدار، واطبخ لنا طعامًا.
فأطاعه الصندوقي، وفعل كما أُمر، ثم عاد إلى داخل الصندوق. ففرحت الأسرة به، وعاشوا في راحة وسرور.
لكن الحطّاب، وقد عزم على استرجاع حقّه، أمر الرجل الصغير أن يذهب إلى بيت جاره، ويسترجع الشاة والمكيال، ولا يعود حتى يفعل.
فانطلق الصندوقي خفيفًا كالسهم، ودخل بيت الجار، وما إن رآه الرجل حتى صاح: ما هذا؟!
فأجابه الصغير: أنا عبد سيدي، جئت لأسترد ما سرقته!
ثم ضربه ضربة أسقطته أرضًا، ثم قفز على السطح، وأخذ المكيال، ثم سحب الشاة، وعاد بهما إلى بيت الحطّاب، وأغلق الصندوق على نفسه.
وفي اليوم التالي، سمع الحطّاب الطرق على الباب، فخرج، فإذا بالجنود ومعهم القاضي، ومعهم الجار يشكو من اعتداء رجل قصير عليه.
فقال القاضي للحطّاب: ما هذا الذي فعلته؟ هل أرسلت من يضرب جارك؟!
فأجاب الحطّاب: إنما استرجعت ما هو لي.
فقال القاضي: لا أصدق حديثك! أرني هذا الصندوق!
فأخرجه الحطّاب، وفتحه، فخرج الرجل الصغير وقال: ما تأمرني؟
فقال له الحطّاب: اضرب كل ظالم كذّاب.
فانطلق الرجل الصغير، فضرب الجار، ثم الجنود، ثم التفت إلى القاضي، فقال له الحطّاب: إلا القاضي!
فضحك القاضي، وقال: صدقت! والله إنك مظلوم، وإن جارك من شياطين الإنس!
ثم أمر القاضي بأن تُعاد الشاة والمكيال رسميًا إلى الحطّاب، وهدّد الجار بأشد العقوبات إن تكررت منه السرقة.
فرجع الحطّاب إلى بيته، وقد استقر حاله، وذاع صيته في القرية، وصار الجني يراقبه من بعيد، وهو مطمئن أنّ نعمه في أيدٍ أمينة.
وعاش الحطّاب مع زوجته وأولاده في نعيم، يشكرون الله ولا يظلمون أحدًا، أما الجار، فقد صار الناس يتجنّبونه، وانقطع عنه كل رزق.
ومن يومها، صار الناس يقولون: "لا تحسد رزق غيرك، ولا تسرق ما ليس لك، فالله لا يبارك في سارقٍ ولا في حسود!"
لمشاهدة القصة على اليوتيوب
