قصة الغراب والإخوة الثلاثة

في قرية هادئة تُعرف بـ قرية البيض الذهبي، يعيش أهلها في رخاء بفضل دجاجةٍ سحريةٍ تبيض ذهبًا لحاكم القرية. لكن حين تهجم عليها عقبانٌ عملاقة، تكفّ عن التبييض، ويهدد الفقر الجميع. فيقيم الملك مسابقةً للقبض على العقاب دون قتله، فينجح الابن الأصغر لميمون الفلاح بعد شجاعةٍ وذكاء، وينال الجائزة. لكن الفرح لا يدوم، إذ يظهر عقاب آخر، فيُرسل الملك أبناء ميمون الثلاثة واحدًا تلو الآخر لاستكشاف مأوى العقبان. الأخوان الأكبران يهملان نصيحة غرابٍ أسودٍ حكيم بعدم النوم في الغابة فيقعان في الأسر، بينما الابن الأصغر يصغي للنصيحة وينجو، ليبدأ رحلة بطولية مليئة بالمغامرات. يكتشف أن وراء البلاء ساحرة عمياء قوية الشم حوّلت سكان الغابة إلى عقبان، ويستعين بـ غرابٍ حكيمٍ (كان في الأصل ملك الأقزام) وبـ معولٍ سحري وشجاعةٍ نادرة ليقضي عليها، فيحرر إخوته وسكان الغابة. تعود المياه والخصب إلى الغابة، وتبيض الدجاجة ذهبًا من جديد، ويكافئه السلطان العظيم بتزويجه ابنته الجميلة في عرس أسطوري جمع البشر والأقزام، لتعود السعادة إلى القرية من جديد.

قصص طويلة

واحة الحكايات والقق

كان يا مكان، في سالف العصر والأوان.

كانت هناك قرية صغيرة تقبع وسط الجبال، وتلقب بقرية البيض الذهبي. كانت قرية جميلة وهادئة، وسكانها يعيشون في رخاء وسكينة. وكان لحاكم القرية دجاجة عجيبة بقصره، كانت تبيض له كل يوم بيضة ذهبية، وكانت مصدر دخل للقصر والقرية بأكملها.

وذات يوم، لم تعد الدجاجة تبيض ذهبًا، فأمر الحاكم مساعديه أن يستقصوا سبب ذلك. وبعد مراقبتهم للدجاجة يومًا كاملًا، لاحظوا أن عقابًا ضخمًا كان يحوم فوق القصر، وينقض على الدجاجة فور خروجها من خمها، فتهرب مسرعة وتعود من حيث أتت. وأصبحت الدجاجة المسكينة حزينة ومكتئبة؛ لأنها لم تعد ترعى كما كانت من قبل، فأثر ذلك عليها ولم تعد تبيض البيض الذهبي. غضب الملك وأمر مساعديه أن يجدوا حلًا لهذا الوضع، وإلا فستصبح القرية مفلسة ولن يكون بعد ذلك بالإمكان توفير الحاجات الضرورية لسكان القرية.

فأفتى أحد مساعدي الملك عليه أن يقوم بتنظيم مسابقة للجري السريع، ويختار منهم الأوائل. وتكون في المرحلة الأخيرة من المسابقة هي الإسراع والإمساك بالعقاب فور اقترابه من الدجاجة، ومن يمسك به يكون الفائز. أعجب الملك باقتراح مساعده وأمره بالتجهيز للمسابقة من فوره. أرسل المنادي ينادي بأن مسابقة سينظمها الملك، وأن الفائز سيحصل على هدية ثمينة.

سمع الفلاح ميمون بالأمر، وكان له ثلاثة أبناء أشداء، فقرر إدراجهم في المسابقة. جاء اليوم الذي ستبدأ فيه مجريات السباق، فتقدم المتنافسون ومن بينهم الأبناء الثلاثة. وكانت شروط السباق هي الجري بسرعة لمسافة مائة خطوة حيث يوجد خط النهاية، وسيمر المرحلة النهائية عشرة متسابقين. بدأ السباق وكان الأبناء عازمين على أن تكون الجائزة من نصيبهم، وبالفعل استطاع ثلاثتهم الوصول لخط النهاية ضمن العشرة الأوائل.

تقدم مساعد الملك من المتأهلين وهنأهم، ثم أطلعهم على شرط المرحلة الأخيرة من السباق، والتي ستقام في اليوم الموالي، وهو الإمساك بالعقاب العملاق، ولهم الحق في استعمال أي وسيلة يريدون، شريطة أن لا يقتلوه؛ لأن قوانين القرية كانت تمنع قتل الطيور غير الأليفة. وافق المؤهلون على الشروط ثم انصرفوا على أن يعودوا في اليوم الموالي ليخوضوا السباق الأخير. عاد الأبناء الثلاثة منتشين، لكن الابن الأصغر كان يفكر في طريقة يمسك بها العقاب العملاق.

في اليوم الموالي، اجتمع المتسابقون وبدأوا المنافسة. انطلق المتسابق الأول صوب العقاب فور رؤيته له وهو يحاول النزول إلى الأرض ليمسك بالدجاجة، وبالفعل تمكن من الإمساك به، لكن العقاب كان عملاقًا وقويًا فحمل المتسابق وطار به إلى السماء. فلما رأى المتسابق أن العقاب قد ابتعد عن الأرض أفلته، فسقط على الأرض وكسرت أضلاعه. فلما رأى بقية المتسابقين ما حل بالمسكين بدأوا بالانسحاب واحدًا بعد الآخر حتى بقي في الأخير الثلاثة أبناء فقط؛ بسبب أن والدهم ميمونًا لقنهم الشجاعة منذ أن كانوا صغارًا، فلا يهابون خطرًا ولا يعرف الخوف طريقًا لقلوبهم.

تقدم الابن الأكبر وأعطى إشارة على أنه مستعد لخوض المنافسة، ثم انطلق في اتجاه العقاب. فلما اقترب منه استل سيفه وحاول أن يغرسه فيه، فنادى عليه مساعد الملك بأنه سيخسر المنافسة إن هو قتل العقاب، فتراجع الأخ الأكبر في اللحظة الأخيرة، وطار العقاب بعيدًا وخسر النزال.

جاء الدور على الابن الأوسط، فانطلق مسرعًا نحو العقاب، فأمسك به وأخرج حبلًا من حقيبته وقيد به العقاب العملاق، لكن العقاب استطاع تمزيق الحبل ورمى بالابن الأوسط بعيدًا، وبذلك كان قد خسر السباق.

بقي الابن الأصغر لوحده في المنافسة، وهو الأمل الوحيد المتبقي، فقرر أن يجرب حظه. انتظر الفرصة المواتية حتى اقترب العقاب، فانطلق نحوه مسرعًا وقفز فوق ظهره وأحكم الإمساك به حتى لا يقذفه بعيدًا. بدأ العقاب بالطيران والارتفاع عن الأرض، فناداه أبوه ميمون أن يقفز قبل فوات الأوان. لم يسمع الابن الأصغر صراخ أبيه، وكان يبدو عليه أنه متيقن مما يفعله ويعرف طريقة للإطاحة بالعقاب. دهش الحضور لما رأوا الابن الأصغر يقوم بنزع الريش من جناحي العقاب العملاق، ريشة بعد ريشة، حتى بدأ العقاب غير قادر على الارتفاع أكثر وصار يهوي في اتجاه الأرض ثم سقط في الأخير. تعالت صيحات النصر بين الحضور وهللوا فرحًا بالابن الأصغر، واستطاع بذلك نيل الجائزة المالية التي أشرف الملك على تقديمها بنفسه له.

أقيمت مأدبة عشاء ضخمة على حساب الملك، وكان جميع سكان القرية مدعوين لها. أمضى الجميع تلك الليلة في فرح وسرور. وفي صباح اليوم الموالي، تفاجأ الجميع ومعهم الملك بعقاب آخر يحوم فوق القصر. وهنا ثارت ثائرة الملك واستدعى جنوده وأمرهم بأن يستعدوا للخروج في مهمة البحث عن مأوى العقبان وقتلهم جميعًا؛ رغم قانون القرية الذي يمنع ذلك. لكن مساعد الملك كان حكيمًا ويستطيع تدبير الأمور مهما عظم شأنها، فأفتى على الملك أن يوكل واحدًا من أبناء ميمون الشجعان فقط يستقصي مكان العقبان ويعود لإخبارهم، ثم ينطلقون بعد ذلك مقتفين أثره. وافق الملك وقرر إرسال ابن ميمون الأكبر، ووعده إن هو وجد مأوى النسور فسيزجيه العطاء.

فرح الابن الأكبر بالمهمة التي وكلت إليه وحده دون باقي سكان القرية، وانطلق في رحلته متوجهًا من حيث جاء العقاب. وبعد مسيرة يومين وبينما هو يشق طريقه وسط الغابة، وجد فجأة غرابًا شديد السواد أمامه، وتفاجأ أكثر عندما شاهد الغراب وهو يتحدث إليه قائلًا: "لا تؤذن أرجوك وسأعطيك في رحلتك." قال الابن الأكبر: "حسنًا، قل ما عندك." فقال له الغراب: "لا تنم وسط الغابة." ثم سكت الغراب.

نظر الابن الأكبر للغراب بامتعاض وأخرج سيفه وهجم على الغراب فطار الغراب بعيدًا. الابن الأكبر يردد: "بئس النصيحة من غراب يتكلم!" ثم انطلق يكمل طريقه وسط الغابة. وبعد أن غابت الشمس، شعر الابن الأكبر بالنعاس فاستلقى تحت جذع شجرة وغط في نوم عميق متجاهلًا بفعله نصيحة الغراب. وبعد أن استيقظ وجد نفسه وسط غرفة محكمة الإغلاق أشبه ما تكون بسجن. لم يفهم الابن الأكبر شيئًا وتذكر نصيحة الغراب وندم لاستهزائه به وعدم أخذ نصيحته على محمل الجد.

أما الملك وأعوانه، فقد طال بهم الانتظار حتى تيقنوا أن الابن الأكبر لن يعود، فقرروا إرسال شخص آخر. تطوع الابن الأوسط للمهمة، وانطلق متتبعًا خطوات أخيه حتى وجد الغراب الأسود فنصحه بأن لا ينام وسط الغابة. فأومأ الابن الأوسط برأسه للغراب في إشارة منه على أنه قبل نصيحته، لكنه في الحقيقة لم يعر لنصيحة الغراب اهتمامًا. ثم أكمل طريقه حتى حل الليل وقرر الابن الأوسط أن يرتاح قليلًا ليتابع مسيرته صبيحة اليوم الموالي، فغلبه النعاس وغط في نوم عميق، فحل به ما حل بأخيه وندم هو الآخر لأنه لم يستمع لنصيحة الغراب.

وبعد أن مر أسبوعان على اختفاء الابن الأوسط، قرر الملك إرسال شخص ثالث، فتطوع الابن الأصغر رغم اعتراض أبيه ميمون على قراره، لكن الابن الأصغر كان يعرف أنها الطريقة الوحيدة لاسترجاع أخويه وإنقاذ القرية. سار الابن الأصغر في طريق الغابة حتى ظهر له الغراب الأسود فنصحه بأن لا ينام في الغابة. ثم انطلق الابن الأصغر في طريقه بعد أن شكر الغراب على النصيحة. وهو في مدخل الغابة، لاحظ غيمة غريبة تغطي أجواء الغابة، لكنه ظن أنها غيمة عابرة ولم يهتم لأمرها. تابع مسيره وسط الغابة حتى غربت الشمس، وقرر الاستراحة قليلًا، لكنه تذكر نصيحة الغراب فاستجمع قواه وتابع المسير. مشى ومشى حتى كاد أن يسقط من شدة التعب.

وفجأة، وجد أمامه كوخًا صغيرًا فأسرع إليه ودق بابه، فإذا بشيخ أبيض اللحية ومنحني الظهر يفتح الباب. ألقى عليه الابن الأصغر السلام وطلب منه قضاء الليل عنده. وافق الشيخ وأعد له العشاء، وجلسوا يتبادلون أطراف الحديث. فأخبر الابن الأصغر الشيخ بقصته، فوعده الشيخ بأن يريه الطريق الوحيدة والمخبؤة التي تتجمع فيها العقبان، شريطة أن يساعده هو الآخر في إحضار بعض الحبوب له ليزرعها في حقله. فسأله الابن الأصغر عن مكان تلك الحبوب. فأخبره الشيخ أنه سيجدها داخل قصر السلطان العظيم الموجود على مسافة يوم واحد جهة الشرق.

ولما أصبح اليوم التقى الابن الأصغر بالغراب مرة أخرى يقف أمامه وينصحه بألا يقطف الحبوب من النبتة حتى يحل وينتصف القمر وسط السماء. شكره الابن الأصغر مرة أخرى وانطلق مكملًا مسيرته نحو القصر. فلما وصل تسلل من خلف القصر وقفز فوق السور حتى لا يراه الحراس، واختبأ وسط الأعشاب ينتظر حلول الليل حتى يعمل بنصيحة الغراب.

طال الحال عليه فقرر الاستلقاء قليلًا، فغلبه النعاس ولم يعي أنه غط في نوم عميق إلا عندما حل الليل وتجاوز القمر وسط السماء. فلم يدر هل ينتظر حلول الليلة الموالية ليعمل بنصيحة الغراب أم يقطفها في الحال. فقرر أن يقطفها في الحال فقط، فقطفها، فإذا بالنبتة تصرخ وجاء الحراس من كل جانب وألقوا القبض عليه. وأمرت أميرة القصر بإحضاره أمامها. وبعد أن أخبرها بقصته، رفضت له طلبًا، فرق قلبها لحال المسكين وطلبت من والدها السلطان أن يعفو عنه. وافق الملك على أن يعفو عنه ويعطيه الحبوب التي جاء من أجلها، شريطة أن يشق مسربًا للماء بين النهر والقصر، وأعطاه أجل سبعة أيام لتحقيق ذلك. وكانت مياه القصر قد بدأت بالنضوب وهم في أمس الحاجة إلى مصدر جديد للماء، وإلا فسيضطرون لترك قصرهم والبحث عن مستقر آخر.

وافق الابن الأصغر على طلب السلطان وانطلق متجهًا نحو النهر، لكن المسافة كانت بعيدة جدًا بين النهر والقصر، ومن المستحيل إنهاء المهمة في ظرف سبعة أيام حتى لو اجتمع كل الجنود على ذلك. أصاب اليأس الابن الأصغر وجلس قرب النهر حزينًا يفكر في القادم. ثم ظهر له الغراب مرة أخرى وأخبره أن لا يحزن؛ لأن الحل معه وسيساعده رغم أنه لم يعمل بنصيحته السابقة. فرح الابن الأصغر واعتذر لأنه لم يأخذ بنصيحته، ثم استفسر عن الحل فقال له الغراب: "ستسير جهة الشمال مسافة يوم ونصف اليوم حتى تصل شجرة عملاقة، سمك جذعها يقارب المائة ذراع، وأغصانها تمتد مسيرة يوم كامل. ثم تجلس بجانبها وتطرق عليها عشر طرقات، وتبقى جالسًا بجانبها ولا تغادر مكانك مهما حدث حتى يفتح لك الباب." وسأله الابن الأصغر: "أي باب؟" وما كاد ينتهي من سؤاله حتى اختفى الغراب.

قام الابن الأصغر وسار في الطريق التي أشار عليه الغراب بها حتى وصل الشجرة العملاقة، فجلس بالقرب منها وطرق عليها عشر طرقات كما قال له الغراب، وجلس ينتظر أن يفتح الباب، مع أنه لم يعرف أين يقع ذلك الباب الذي أخبره به الغراب، إلا أنه كان واثقًا بكلامه.

وبينما هو ينتظر، تراءى له من بعيد صورة أخويه وهما يناديان عليه. اندهش وأراد التوجه نحوهما، لكنه تذكر وصية الغراب بأن لا يغادر مكانه مهما حصل. كان مشتاقًا لهما ويريد عناقهما، لكنه أحس أن شيئًا غريبًا في الأمر فقرر أن يمكث مكانه ولا يتحرك منه. وبعد برهة، فتح باب وسط جذع الشجرة لم يكن ظاهرًا قبل ذلك، وسمع منه صوتًا يقول: "لو كنت قد ذهبت عند الشيء الذي نادى عليك لكنت الآن شبحًا مثلهم. والآن اتبعني يا صديق الغراب واغلق الباب خلفك."

أسرع الابن الأصغر ودخل وأغلق الباب، ووجد سلمًا طويلًا نحو الأسفل فنزلته حتى وصل إلى باحة واسعة تحت الأرض وتحيط بها منازل صغيرة من كل الجهات، وكانت أشبه بمدينة كاملة تحت الأرض. وفجأة، ظهر سكان ذلك المكان، وكانوا عبارة عن أشخاص قصار القامة ويعيشون حياة بدائية للغاية.

تقدم شيخهم الكبير نحو الابن الأصغر وقال له: "مرحبًا بك في مدينة الأقزام! لقد علمنا أنك مبعوث من طرف صديق الغراب، وعرفنا ذلك من عدد الطرقات. والآن ما هو طلبك؟" أخبرهم الابن الأصغر بقصته كاملة وطلب مساعدتهم. وافق شيخهم على مساعدته ثم غاب عنه بعض الوقت وعاد ومعه معول يظهر في الوهلة الأولى على أنه معول عادي، لكن ذلك المعول يستطيع بضربة واحدة منه أن يحفر المسافة التي تقع عليها عين الإنسان. فرح الابن الأصغر وشكر الأقزام وهم بالمغادرة، لكن شيخهم الكبير استوقفه وأخبره أن المشاكل التي حلت بالغابة سببها ساحرة لئيمة، وهي بصيرة لا ترى لكنها تملك حاسة شم قوية تستطيع بها شم الأشياء على بعد أميال. وأخبره أنه بسببها حلت غيمة سوداء فوق الغابة لا هي تمطر ولا هي تترك أشعة الشمس تتسرب نحو الغابة، وهي التي أنقصت الزرع وجففت المياه وحولت سكان قرية كانت تسكن وسط الغابة إلى عقبان، وأمرتهم أن يفعلوا ما فعلوه بقريتهم، وهي من اختطفت أخويك ليلًا؛ لأنها لا تظهر إلا ليلًا. ولذلك وجدنا أن أنسب حل لتجنب شرها هو بناء مساكن لنا تحت الأرض، نخرج صباحًا للعمل وجمع الزاد ونعود مساء ونقفل علينا الأبواب، وهذا هو حالنا منذ مدة طويلة وقد سئمنا منه.

سكت كبير الأقزام قليلًا ثم قال للابن الأصغر: "تلك الحبوب التي طلب منك الشيخ العجوز أن تحضرها له من داخل قصر السلطان العظيم هي حبوب عجيبة، فهي تستطيع حجب رائحة البشر عن الساحرة وبالتالي لا تلاحظ وجودهم رغم حاسة الشم القوية لديها. لذلك ظل كوخ الشيخ وقصر السلطان العظيم في مناعة عن سطوة الساحرة. ولا مناص للغابة وأهلها من شر الساحرة إلا بالقضاء عليها، وهي الطريقة الوحيدة لإنقاذنا من هذا الحال، وإنقاذ الغابة وقريتك وأخويك."

وعد الابن الأصغر كبير الأقزام أنه سيبذل كل جهده، ثم انطلق عائدًا نحو النهر. واستطاع بفضل المعول العجيب أن يشق مسربًا للماء من النهر نحو القصر في وقت قصير. فرح السلطان العظيم بذلك وأعطاه الحبوب التي وعده بها. قام الابن الأصغر بتحويل حفنة من تلك الحبوب إلى مسحوق واحتفظ به في كيس صغير على أمل أن يساعده في مهمته ضد الساحرة. ثم حمل ما تبقى من حبوب وسار بها نحو الشيخ العجوز صاحب الكوخ، والذي فرح بدوره كثيرًا وأرشد الابن الأصغر إلى الطريق المؤدية لمأوى العقبان.

وفي طريقه التقى بالغراب ونصحه قائلًا: "إن الساحرة تسكن قصرًا في سفح الجبل، وبه طابقان وسطح. الطابق الأول وهو عبارة عن سجن فيه حبست الساحرة أخويك. أما الطابق الثاني حيث تنام الساحرة فهي تنام بالنهار وتنشط ليلًا، ولكن احذر الاقتراب كثيرًا من القصر؛ لأن الساحرة تستطيع شم رائحة غريب من مسافة بعيدة. وأما السطح فهو مأوى للعقبان. هذا كل ما أستطيع مساعدتك به، وأتمنى أن توفق في مهمتك." ثم اختفى الغراب.

أكمل الابن الأصغر طريقه نحو سفح الجبل. وعندما لمح قصر الساحرة من بعيد، كان الظلام آنذاك قد حل وأدرك أن الساحرة قد استيقظت من نومها. أخرج المسحوق من الكيس ونثره على جسمه، وبذلك صار متيقنًا أن الساحرة لن تشتم رائحته. ثم توجه نحو القصر بعد أن تأكد أن الساحرة خرجت منه. دخل الطابق الأول فوجد هناك أخويه، ولم يحررهما حتى لا تشك الساحرة في الأمر. واتجه نحو الطابق الثاني حيث وجد السرير الذي تنام عليه الساحرة، فقام بإزاحته جانبًا وحفر حفرة تحته باستخدام المعول العجيب، وكانت الحفرة تقع مباشرة فوق الزنزانة حيث يوجد أخواه. ثم أرجع السرير فوق الحفرة وقام بربط طرف حبل في أسفل السرير ورمى بالطرف الثاني نحو أخويه بالأسفل. ثم أحضر حطبًا ووضعه في الزنزانة تحت الحفرة مباشرة، وأشار على أخويه بأن يضرما النار في الحطب مباشرة بعد أن يلاحظا رجوع الساحرة للقصر، وأن يسحبا الحبل بقوة بعد أن يعطيهما إشارة. ثم رش المسحوق في أنحاء القصر حتى لا تلاحظ الساحرة أي شيء، واختبأ ينتظر قدومها وقت بزوغ الفجر.

وفعلًا، عادت الساحرة، ولما غطت في نوم عميق قام الابن الأصغر بإصدار صفير، فسمعه أخواه وسحبا الحبل بكل قوة، فسقط السرير ومعه الساحرة من خلال الحفرة مباشرة وسط النار التي أضرمها في الزنزانة. واستطاع بذلك القضاء على الساحرة التي أرهقت كل من طالت يدها إليه.

فرح الابن الأصغر بما حققه وأسرع نحو أخويه وحررهما ودموع الفرحة تعلو وجنتيه. ثم لاحظ أن سكان الغابة عادوا إلى طبيعتهم أناسًا بعد أن كانوا عقبانًا، فشكروه على صنيعه وانطلقوا جميعًا نازلين من الجبل عائدين نحو الغابة. وهناك وجدوا جميع الأقزام وسكان قصر السلطان العظيم فرحين ويغنون ويمرحون فرحًا بعودة الغابة إلى طبيعتها، وانجلت الغيمة السوداء التي كانت تغطي سماء الغابة، وانفجرت عيون المياه من جديد، ونمى الزرع وعادت الحيوانات والطيور لتعمر الغابة.

شكر الجميع الابن الأصغر، وتقدم الأقزام نحوه يتوسطهم شخص لم يره من قبل. فأخبره ذلك الشخص قائلًا: "أنا هو الغراب، وكنت في الأصل حاكم بلاد الأقزام، وقد حولتني الساحرة إلى غراب بعد أن عصيت أمرها بأن أكشف مخبأ رعيتي. والآن وقد عادت الأمور إلى طبيعتها بفضل شجاعتك، فإني ممتن أنا وكل سكان الغابة لصنيعك، وأتمنى منك أن تعود لزيارتنا أنت وأهلك وعشيرتك بعد عشرة أيام، وستجدنا نحن والسلطان العظيم قد هيأنا لك مفاجأة تليق بشخص شجاع مثلك."

وافق الابن الأصغر أن يعودهم بعد عشرة أيام، ثم سار هو وإخوته نحو قريتهم. فلما وصلوا، وجدوا جميع سكان القرية وأباهم ميمونًا ينتظرونهم بأحر من الجمر، بعد أن اختفت العقبان وعادت الدجاجة تسرح في كل مكان وتبيض ذهبًا.

وبعد مرور عشرة أيام، سار الابن الأصغر ومعه أهله وعشيرته نحو الغابة ليلبي دعوة الأقزام والسلطان العظيم. وهناك وجد سكان الغابة قد أقاموا حفلًا على حسابه لم ير مثله من قبل. ثم جاء وقت المفاجأة التي وعدوه بها، فتقدم نحوه السلطان العظيم وعرض عليه أن يزوجه ابنته الجميلة. كان الابن الأصغر سعيدًا جدًا بعرض السلطان، لكنه قرر أن يسأل ابنة السلطان إن هي قبلت به زوجًا لها، فأجابته بخجل أنها لن تجد شخصًا نبيلًا وشجاعًا مثله. زاد فرح الابن الأصغر، وكان حفل زفاف لم تشهد له الغابة ولا القرية مثيلًا من قبل. وعاش الجميع بعد ذلك في سعادة وأمن ورخاء.

لمشاهدة القصة على اليوتيوب