قصة الاميرة العنيدة والراعي الذكي

تدور القصة حول أميرة ذكية لا تقبل الزواج إلا ممن يتفوق عليها في الذكاء، فتعقد تحديًا بالألغاز، ومن يفشل يُقتل. يتقدم راعٍ فقير للتحدي، ويتمكن بدهائه من طرح لغزٍ يعجز الجميع عن حله، فيُعجب به الملك، ويثبت ذكاءه أيضًا بحيلة حين يقنع الملك أنه فعل أمرًا لا يُصدق. تتزوج الأميرة الراعي، ويعيشان بسعادة، لتثبت القصة أن الذكاء لا يُقاس بالمال أو النسب، بل بالفطنة وحسن التفكير.

قصص طويلة

واحة الحكايات والقصص

في قديم الزمان، وفي مملكة بعيدة تحيط بها الجبال الشاهقة والغابات الكثيفة، عاش ملك حكيم في مملكته. وكان لهذا الملك ابنة وحيدة، أميرة فائقة الحسن والجمال. تتألق عيناها بذكاء حاد وفطنة نادرة. لم تكن هذه الأميرة مجرد وجه جميل، بل كانت عقلًا متقدًا يتحدى أذكى الحكماء في المملكة.

ومع مرور السنين، وصلت الأميرة إلى سن الزواج، وبدأ الملك يشعر بثقل المسؤولية على كتفيه. وفي صباح يوم مشمس، استدعى الملك ابنته إلى قاعة العرش وقال لها بصوت حنون:
"يا ابنتي وقرّة عيني، لقد بلغت سن الزواج، وأرغب في أن أراكِ سعيدة مع زوج يليق بك. فهناك العديد من الأمراء والنبلاء الذين يتوقون للزواج منك، فما رأيك في اختيار أحدهم؟"

نظرت الأميرة إلى والدها وقالت:
"يا أبي العزيز، أعلم أنك حريص على سعادتي، ولكن دعني أفكر في الأمر لثلاثة أيام قبل أن أقدم لك إجابتي."

وافق الملك في الحال، وذلك لرغبته الشديدة في زواج ابنته. فجلست الأميرة حائرة، لا تعرف ما العمل. فهي لا تريد أحدًا عاديًا من الأمراء أو الملوك، إنما تريد رجلاً يضاهيها ذكاءً وحكمة.

وبعد مرور المهلة، جاء الملك إلى الأميرة وسألها عن قرارها. فقالت الأميرة:
"يا أبي، لن أتزوج إلا من رجل يتغلب علي في الذكاء. ولذلك قررت أن من يطرح علي لغزًا ولا أعرفه سيكون شريك حياتي، ومن لا يستطيع طرح لغز صعب فسيُقتل في الحال."

فكر الملك كثيرًا في الأمر، إلا أنه في النهاية وافق على طلبها وأعلن في المملكة أن من يطرح على الأميرة لغزًا لا تعرفه سيكون زوجًا لها. أما إذا طرح أحد لغزًا وعرفته الأميرة، فسيق في الحال.

فجاء الأمراء والوزراء من كل حدب وصوب ليطرحوا على الأميرة الألغاز، لكنها تمكنت من حل جميع الألغاز، فقتل كل من تقدم لها.

وفي قرية قريبة من المملكة كان يعيش راعٍ مع أمه. وكان هذا الراعي ذكيًا وقد سمع عن الأميرة وطلبها، فطمع بأن يكون هو المختار، وأن يطرح على الأميرة لغزًا لا تعرفه. فتوجه إلى أمه وطلب منها أن تحضر الزاد ليسافر إلى المملكة. وعندما سألته أمه عن السبب، أخبرها بنيته في عرض لغز على الأميرة كي يتزوجها. فقالت له أمه بحرقه:
"هل أنت أحمق؟ كيف ستنجح في فعل ما فشل فيه كبار القوم؟ ابقَ معي يا بني، وانسَ أمر تلك الأميرة."

نظر إليها ابنها وقال:
"لا تقلقي يا أمي، سأتزوج الأميرة. فقط احضري الزاد والماء، وأنا سأهتم بالحمار."

حزنت الأم كثيرًا على ابنها، فقد كانت تحبه كثيرًا. ولكنها كانت تفضل أن يموت ابنها في الطريق على أن يقتله الملك. لذلك وضعت له سمًا في الخبز الذي أعدته له. حاولت الأم كثيرًا أن تمنع ابنها، إلا أنه أصر على الذهاب. فحضرت له الطعام والدموع تنهمر من عينيها، وكانت على يقين بأنه لن يعود إليها مرة أخرى. فحتى لو لم يتناول الخبز، فإنه لن ينجح في مهمته.

ركب الراعي حماره وأخذ قوسه، ثم ودّع أمه وذهب في طريقه. وأخذ يفكر في اللغز الذي سيطرحه على الأميرة. وفي طريقه، شعر بالجوع الشديد، فجلس تحت شجرة وهم بأكل الخبز. وفجأة ظهر له أرنب بري، فأخذ قوسه وصوّب باتجاه هذا الأرنب. غير أنه لم يصبه، بل أصاب أرنبًا آخر. وعندئذ قال في نفسه:
"الآن لدي جزء من اللغز: قذفت ما رأيت، وقتلت ما لم أرى." واكتشف لاحقًا أنه قد صاد أرنبًا كانت حاملاً. ففتح بطنها وأخرج الأرانب الصغيرة وأكلها.

بينما كان يأكل، إذا بالحمار يأكل الخبز المسموم الذي أعدته أمه. وفي الحال، مات الحمار. عندها عرف أن أمه سممت الطعام كي يموت هو، ولا يقتله الملك. فقال الراعي:
"سامحك الله يا أمي."

وبعد ذلك، جاءت ثلاثة غربان وبدأت تأكل الحمار الميت، فماتت في الحال. فقال الراعي:
"هنا اكتمل اللغز: قتلت أمي الحمار، والحمار قتل ثلاثة." ثم أكمل مسيرته إلى المملكة، وعلامات الفرح تعلو وجهه، وأصبح يحلم بالأميرة التي سيتزوجها عن قريب.

وفي النهاية، وصل إلى المملكة فاتجه إلى الخان بعد أن أعياه التعب. ثم طلب طعامًا وشرابًا. فقال له صاحب الخان:
"أراك غريبًا عن المدينة، أيها الشاب."
فأجابه الراعي بأنه سيذهب في اليوم التالي إلى القصر وسيطرح على الأميرة لغزًا لن تعرفه، وسيتزوجها. فضحك الرجل منه ساخرًا وقال:
"رحمك الله يا بني" وتركه بعد أن أحضر له غرفة يستريح فيها من عناء السفر.

وفي اليوم التالي، ترك الراعي الخان ليتوجه إلى القصر. وقد ودّعه صاحب الخان بعد أن حذّره مما سيحصل. وعندما وصل الراعي إلى القصر، طلب رؤية الملك، لكن الحراس قالوا له إنهم لا يستقبلون المتسولين، وذلك لهيئته التي كانت تدل على فقره الشديد. فأخبرهم الراعي بأنه يريد رؤية الملك كي يعرض على الأميرة لغزًا لن تستطيع حله. وفي الحال، ذهب أحد الحراس إلى الملك وأخبره بالطلب. فدهش الملك من طلب الراعي، لكنه وافق على استقباله، إذ لم يكن الأمر يقتصر على الأمراء والنبلاء فقط، بل على كل من في المملكة.

وفي القاعة الكبيرة، قالت الأميرة:
"لقد فعلت كل ما طلبته منك، ولكنك نسيت القصة. يجب عليك أن تروي لنا قصة لا تصدق."

فقال الراعي وهو ينظر إلى الملك:
"لدي قصة، إن قلتها لن يصدقها أحد."

نظر الملك إلى الراعي بنظرة غريبة وقال:
"قص علينا قصتك التي لا تصدق."

لكن الراعي فضل أن يهمس في أذن الملك بالقصة أولاً، ثم يرويها أمام الحضور. فوافق الملك، واقترب منه الراعي وقال هامسًا:
"هل ستصدق الأميرة والحضور أنك، يا مولاي، قد قبلت قدمي وغسلتهما بالماء؟"

وعندما سمع الملك كلام الراعي، وقف غاضبًا وقال بأعلى صوته:
"فعلاً، إنها قصة لا تصدق!"

اعترضت الأميرة وقالت:
"نريد أن نسمع القصة أولاً."

فقال الملك:
"إن لدي قصة بالفعل لا تصدق، وقد حقق الراعي جميع الشروط. وإن لم تتزوجيه، فسأقتلك في الحال."

وعندما رأت الأميرة أن الملك جاد فيما يقول، وافقت على الزواج من الراعي. وفي قرارها نفسه، عرفت أن الراعي لم يتفوق فقط عليها في الذكاء، بل تفوق على الملك أيضًا.

وفي يوم الزفاف، دخل الملك على الأميرة وقال لها:
"إن الراعي ذكي وطيب القلب، وإنك ستعيشين معه سعيدة جدًا."

فقالت الأميرة وقد صرفت كل من كان في الغرفة:
"ألا تريد يا أبي أن تحدثني بالقصة التي لا تصدق؟ فأنا ما زلت حتى الآن أفكر فيها."

نظر الملك حوله، واقترب من الأميرة وأخبرها هامسًا عما حدث مع الراعي وكيف أنه قبل قدميه وغسلهما. فابتسمت الأميرة بعد سماعها القصة، وضحكت بأعلى صوتها وقالت للملك:
"إنه حقًا رجل ذكي."

بينما كان الراعي يهيئ ملابس الزواج، حضرت إليه الساحرة وقالت له:
"مبارك عليك الزواج، فأنت تستحقه أيها الطيب. ولكن، أعد إلي الناي."

فأعاد لها الراعي الناي، وشكرها. اختفت الساحرة من أمامه في لمح البصر.

فكر الراعي قليلاً وقال:
"لن أتزوج دون حضور أمي." فأسرع باحضارها. فأمر الملك الجنود بالذهاب ومعهم عربة فخمة لإحضار والدته. وعندما وصلوا إلى حيث كانت والدته، أخبروها بالحضور إلى القصر لمقابلة الملك. كان الحزن بادياً على وجهها، والدموع تنهمر من عينيها. وقد ظنت أن ابنها قد مات وهو يحاول تنفيذ شرط الأميرة. وما إن وصلت إلى القصر، رأت ابنها، فاخبرها بكل ما حدث معه، فخرت على الأرض وقالت له:
"سامحني يا بني، ولكني فعلت ذلك لأنني لا أريد أن أراك معلقًا على بوابة القصر."

فحضنها الراعي وقال:
"من اليوم ستعيشين معي هنا في القصر."

أقيم الاحتفال في القصر بحضور الجميع، فكانوا فرحين بزواج الأميرة من الراعي الطيب الذي استحقها بعد كل ذلك العناء.

تم الزواج وسط فرحة الجميع، وعاشوا جميعًا في سعادة. أما الملك، فقد شعر بالراحة لأنه رأى أن الأميرة اختارت الرجل المناسب لها، وأنه مهما كانت القسوة التي تحملها الحياة، فإن الحب والذكاء في النهاية هما ما يجمع بين القلوب.

وهكذا انتهت قصة الراعي الذي تحدى الجميع ونجح في الفوز بقلب الأميرة، بعد أن أثبت للجميع أن الذكاء لا يأتي من المظاهر بل من الفطنة والقدرة على التفكير بحكمة في الأوقات الصعبة.

لمشاهدة القصة على اليوتيوب