الحطاب الفقير وبناته الثلاث

تحكي القصة عن حطاب فقير يعيش في كوخ مع بناته الثلاث، ويكسب قوت يومه من جمع الحطب. كان يخشى على مصير بناته إن أصابه مكروه، فسعى لتأمين رزق أكبر. حاول قطع الأشجار، فظهر له عفريت الغابة الذي كان يراقبه ويقدّم له يوميًا حزمة حطب بدلًا من أن يقطع الأشجار، تقديرًا لطيبة قلبه وحفاظه على الغابة. لاحقًا، مرضت إحدى بناته بمرض خطير، فاضطر الحطاب أن يخالف وصية العفريت، لكن الأخير رقّ لحاله وأرشده إلى بئر عجيب يشفي ابنته. ومن هنا بدأت رحلة الحطاب مع خدمة الناس، حيث أصبح يجلب ماء البئر للحكيم ليعالج المرضى مجانًا للفقراء وبمقابل من الأغنياء. ومع الوقت، صار الحطاب رمزًا للكرم وعُرف بـ "أبي الكرم"، وتحولت حياته وحياة بناته إلى سعادة وخير دائم. وبفضله ازدهرت القرية وصارت مضربًا للمثل في التكافل والعمل الصالح.

واحة الحكايات والقصص

الحطاب الفقير وبناته الثلاث


بعيدًا عن القرية، وفي طرف الغابة، عاش حطاب برفقة بناته الثلاث الصغار في كوخ مهجور. كان قد اتخذ ذلك الكوخ مأوى له، رغم بعده عن القرية، لأنه كان ضعيف الحال ولم يكن لديه المال لبناء بيت في القرية. كان الحطاب يعيش على جمع الأغصان اليابسة وبيعها لأهل القرية مقابل مبلغ زهيد بالكاد يكفيه لذلك اليوم. وكان يصرفه كله في شراء طعام يكفيه هو وبناته الصغار. وكان عليه العمل كل يوم دون كلل أو ملل لتوفير لقمة العيش.

وذات يوم، وبينما كان الحطاب يتناول عشائه مع بناته الصغار ككل يوم، وينظر إليهن بعين العطف والحنان، خاطب نفسه قائلاً: "أنا أعمل بجد كل يوم، وبالكاد أحصل على قوت يومي. فماذا لو مرضت يومًا أو أصابني مكروه؟ فمن سيتكفل بإطعام بناتي الصغار؟ وكيف سيدبرون أمورهم بدوني؟ لابد لي من بذل جهد مضاعف حتى أستطيع توفير وادخار شيء من المال لمثل تلك الظروف الصعبة، لا قدر الله."

فقرر أنه ابتداءً من اليوم التالي، سيحاول جمع كمية كبيرة من الحطب تكفيه لسد احتياجاته ولإدخار شيء يسير من المال ينفعه في وقت الحاجة.

وفي اليوم التالي، انطلق الحطاب إلى الغابة وبدأ بجمع الأغصان المكسورة والمتساقطة من الأشجار. كان ينتقل من مكان إلى آخر عله يجد حطبًا وفيرًا. إلا أنه في النهاية أدرك أنه يدور في حلقة مفرغة، وأن كمية الحطب التي جمعها هي نفسها التي يجمعها كل يوم، والسبب هو أن الغابة كانت صغيرة ولا توفر في اليوم سوى تلك الكمية من الحطب.

تحسر الحطاب على الوضع وأدرك أن جمع الحطب مردوده ضئيل ولن يحقق له هدفه. لذلك قرر أن يبحث له عن عمل آخر يحقق منه مكسبًا محترمًا. فحمل ما جمعه من حطب وتوجه به نحو القرية المجاورة وباعه. ثم بدأ يسأل أصحاب المحلات والتجار عن عمل، لكنه كان يواجه دائمًا بالرفض لأنه لا يجيد عملاً أو حرفة غير جمع الحطب.

عاد الأب إلى بيته يجر أذيال الخيبة، ويندب حظه التعيس. وتلك الليلة، وكعادته، هيأ طعام العشاء وأطعم بناته الصغار، ثم خلّد إلى سريره. وعندما كان يستعد لإطفاء الفتيل، لمح فأسه المعلق في الحائط. كان يتخذه زينة في بيته لا غير، ولم يستعمله في قطع الأشجار قط في حياته، لأنه كان يعلم أن قطع الأشجار يعني القضاء على الغابة، وبالتالي فقدان مصدر رزقه الوحيد.

وليس هذا فقط ما منعه من قطع الأشجار، بل كانت هناك أخبار وشائعات تروج منذ القدم تقول إن الغابة محروسة من طرف عفريت لا يرحم ويصرع كل من يحاول قطع شجرة أو إلحاق الأذى بالغابة. لذلك ابتعد الجميع عن الغابة ولم يعد أحد يقترب منها، ما عدا الحطاب المسكين.

فكر الحطاب كثيرًا، ثم قرر في الأخير أن يستعمل الفأس، لأنها كانت السبيل الوحيد أمامه لتحقيق ما يصبو إليه.

حل الصباح واتجه الحطاب نحو الغابة مصطحبًا معه فأسه. ومع أول محاولة منه لقطع شجرة، لمح فجأة حزمة حطب بجانبه. ظن في البداية أنها تعود لحطاب آخر. فلما جال المكان بحثًا عن صاحبها، لم يجد أثرًا لأحد. فعاد وألقى نظرة متفحصه على حزمة الحطب فوجد ورقة مكتوبًا عليها: "خذها فهي لك".

لم يستوعب الحطاب سبب إقدام صاحب المبادرة على ذلك، لكنه لم يفكر في الأمر كثيرًا لأنه كان في أمس الحاجة إليها. فحملها وتوجه بها نحو القرية وباعها بثمن محترم. ثم عاد إلى بيته سعيدًا بما حصل عليه.

وفي اليوم التالي، تكرر معه نفس الأمر حيث وجد حزمة الحطب تنتظره في نفس المكان. ومنذ ذلك اليوم، صار الحطاب يذهب كل يوم إلى الغابة ويحمل حزمة الحطب ويبيعها دون أن يعلم مصدرها أو لماذا تهدى إليه.

وبعد مرور عام كامل، والحطاب يفعل ما يفعله كل يوم ويحقق به اكتفاءه ويدخر منه القليل، قرر هذه المرة أن يقطع شجرة بعد أن اشتد عود بناته قليلاً وازدادت مصاريفهن، ولم تعد حزمة الحطب تكفيه لإطعامهن وشراء ملابس لهن.

فلما تهيأ لقطع الشجرة، سمع صوتًا يقول: "أيها الحطاب، لا تقطع الشجرة". وجه الحطاب نظره نحو مصدر الصوت، فلم يجد سوى طائر أسود اللون يحوم فوق المكان الذي كان يقف فيه.

فظن أنه يتخيل ذلك الصوت بفعل التعب، ثم رفع فأسه مرة أخرى ليبغي قطع الشجرة. ولكن هذه المرة ظهر له فجأة ومن العدم عفريت مرعب. ارتعب الحطاب من هول ما رآه، ورمى الفأس وهمَّ بالرجوع إلى الخلف خوفًا على نفسه. ثم سمعه يقول له:
"أنا هنا لأمنعك مما أنت بصدد فعله. كنت أراقبك منذ بدأت العمل كحطاب في هذه الغابة، وأعلم أنك أب لثلاث بنات صغار، وأنت المعيل الوحيد لهن. كما أعلم أنك كنت تجمع الأغصان الجافة والمتساقطة فقط ولم تؤذِ الغابة قط في حياتك. ولكنك قررت ذات مرة قطع الأشجار لحاجتك الماسة إلى المال. لذلك كنت أقدم لك حزمة من الحطب كل يوم لأساعدك في توفير حاجيات بناتك الصغار، لكي أثنيك عن قطع الأشجار. لكن بعدما عزمت على قطع الأشجار هذه المرة أيضًا، رغم توفيري لك حزمة حطب تكفيك، ظهرت لأمنعك بنفسي من فعل ذلك، لأنني لا أطيق رؤية الأشجار تُقطع وتُباد.

أنا حارس الغابة وحاميها. ظهرت لك في البداية على شكل طائر لألّا أرعبك، فلما لم تستوعب رسالتي، لم أجد مفرًا من الظهور لك بشكلي الحقيقي، رغم أنني لا أحبذ ذلك.

والآن، أنا أطلب منك أن تقتنع بحزمة الحطب التي أوفرها لك كل يوم، فهي كافية بالنسبة لحاجتك. وسأضع لها بعض الطبات لتستطيع توفير ما تحتاجه لبناتك الصغار. وأعلم أيها الحطاب أنني لم أرحم قط إنسانًا حاول إيذاء الغابة، وأنت أول شخص أصفح عنه بل وأقدم له يد المساعدة لأنك أب صالح وطيب. ولكنني رغم هذا كله، أحذرك أن تزيغ مرة أخرى وتحاول قطع الأشجار، لأنك لن تعلم ما سافعله بك حينها."

ثم اختفى عفريت الغابة.

بعد ذلك، عاد الحطاب إلى بيته وهو لا يكاد يصدق ما حدث له. بعد تلك الحادثة، تفهم الحطاب رغبة عفريت الغابة، وصار قانعًا بحزمة الحطب التي يوفرها له كل يوم. وكانت أموره تسير على أحسن ما يرام، إلى أن جاء يوم مرضت فيه ابنته الصغرى.

أخذها إلى الحكيم الذي فحصها واكتشف أن الطفلة مصابة بمرض نادر يجعلها تفقد قدرتها على الحركة يومًا بعد يوم. ورغم أن لهذا المرض علاجًا، إلا أن تكلفته مرتفعة جدًا، لأن الأعشاب التي يُصنع منها ذلك الدواء موجودة في بلاد الهند البعيدة، ومصاريف إحضارها من هناك مكلفة للغاية.

تحسر الحطاب لأنه لم يعرف من أين سيأتي بالمال. وحتى المال الذي ادخره من بيع الحطب لا يُساوي شيئًا مقارنة بتكلفة جلب الأعشاب من بلاد الهند. ومن شدة حزنه على حال ابنته، قرر أن يعود إلى الغابة ليقطع كمية من الأشجار تكفيه لتحصيل ثمن الدواء، متجاهلًا وصية عفريت الغابة له.

فلما وصل إلى الغابة وأراد قطع الأشجار، تذكر تحذير العفريت بأنه سينتقم منه إذا أقدم على قطع الأشجار.

ثم تذكر الحطاب حال ابنته، وجلس تحت شجرة يبكي ويتحسر. وفجأة ظهر له عفريت الغابة من بعيد، ونادى عليه أن يقترب منه. خاف الحطاب في البداية، لكنه قرر أن يقترب من العفريت ليعرف سبب ظهوره له. فلما وصل إليه، وجد بئرًا لم يكن له وجود قبل ذلك. فقال له عفريت الغابة:
"هذا البئر يستطيع بفضل الله شفاء ابنتك إذا جعلتها تغتسل بمائه سبع مرات."

ثم اختفى العفريت من جديد دون أن يزيد كلمة واحدة.

فرح الحطاب واستبشر، وعاد مهرولًا نحو كوخه. حمل ابنته المريضة على ظهره، وانطلق عائدًا بها نحو البئر العجيب. ثم أدلى دلوًا من البئر، واغترف منه شيئًا من مائه، وغسل ابنته سبع مرات كما أخبره العفريت.

ثم قام وحمل ابنته على ظهره وسار عائدًا إلى كوخه. فلما اقترب من كوخه، سمع ابنته الصغيرة تضحك وهي تلعب بخصلات شعره، وهي التي كانت لا تحرك ساكنًا ودائمة الحزن والانطواء.

فرح الحطاب فرحًا شديدًا، وكذلك بناته الأخريين فرحن بعودة أختهما الصغيرة وعودتها لنشاطها وابتسامتها التي لا تفارقها.

في اليوم التالي، عاد الحطاب إلى الغابة ليشكر العفريت على إنقاذه لابنته، لكنه لم يجده. فحمل حزمة الحطب كالمعتاد، وصار بها نحو القرية، وباعها. وبينما هو عائد نحو كوخه، التقى بالحكيم. فسأله الحطاب عن أحوال ابنته، فأخبره الحطاب بقصته مع العفريت وماء البئر العجيب.

لم يصدق الحكيم كلام الحطاب، لكنه أراد التأكد، فلربما يكون الحطاب صادقًا وينتفع الناس من الماء. فأعطى الحكيم الحطاب دلوًا، وطلب منه أن يأتيه ببعض من ماء البئر العجيب ليعالج به طفلًا مريضًا، وحال والديه ضعيفة ولا يقويان على تكلفه العلاج.

وافق الحطاب وحقق له طلبه، فلما غسل الحكيم الطفل المريض بماء البئر العجيب، قام الطفل يجري ويلعب وكأنه لم يمسسه مرض قط. تعجب الحكيم وصدق كلام الحطاب.

فطلب الحكيم من الحطاب أن يعمل عنده مقابل مبلغ محترم، بشرط أن يحضر له كل يوم دلوًا من ماء البئر العجيب. رفض الحطاب عرض الحكيم، لكنه وافق بعد إصراره. واشترط على الحكيم أن يطلب مقابلاً عند علاجه للمحتاجين بماء البئر، وسيتخلى هو بدوره عن المبلغ الذي أراد الحكيم دفعه له مقابل إحضاره للماء من البئر، لأنه يعلم علمًا يقينًا الثقل الذي يتحمله أهل المريض لتوفير العلاج، خاصة إن كانوا من ذوي الحاجة.

استمر الحطاب في جلب الماء للحكيم كلما كان متوجهًا نحو القرية ليبيع حطبه، وكان يضطر لنقص بعض الحطب ليستطيع حمل دلو الماء وحزمة الحطب معًا. فكان يأخذ من مدخراته لسد الخصاص الذي تسبب به نقص الحطب.

استمر الحال على ما هو عليه حتى جاء يوم انقضت فيه مدخرات الحطاب ولم يعرف ماذا يفعل. هل يهب الماء إلى الحكيم أم يستمر في تزويده بالماء ويخاطر بقوت بناته الصغار؟ فكر الحطاب وقرر أخيرًا أن يطلب من الحكيم أن يُكلف أمر ماء البئر لغلام يطلعه على مكان البئر ويتكفل هو بإحضار الماء للحكيم.

فعلًا، ولما اطلع الغلام على مكان البئر في علاج المرضى، صار يجلب معه للقرية دلوين: دلو للحكيم، ودلو آخر يبيعه خلسة عن الحكيم والحطاب بثمن باهظ للمحتاجين.

لكن الأمر لم يدم طويلاً، فقد تفاجأ الغلام بأن البئر قد اختفى ولم يعد موجودًا، كما لو لم يكن له وجود قبل ذلك. عاد الغلام مسرعًا وأخبر الحكيم بذلك. فأرسل الحكيم في طلب الحطاب.

فلما حضر، استفسر الحكيم عن سبب اختفاء البئر، فأجابه الحطاب بأنه لا يعلم سبب ذلك، لكنه مستعد للذهاب إلى الغابة وسؤال عفريت الغابة عن سبب اختفائه.

وفعلاً، توجه الحطاب نحو الغابة، وانتظر ظهور العفريت، لكنه لم يظهر. فانصرف عازمًا على العودة في اليوم التالي. وكذلك في اليوم التالي، لم يظهر العفريت.

وكرر الحطاب المحاولة قرابة أسبوع دون فائدة. فعاد إلى الحكيم وأخبره بذلك. وكان مجلس الحكيم مكتظًا بالمرضى الذين جاؤوا من أماكن بعيدة بعدما وصل إليهم خبر أنه يوجد حكيم يداوي الناس بماء عجيب وقادر على قهر أي داء استعصى على الناس علاجه.

لم يعلم الحطاب سبيلاً لمساعدة كل أولئك المرضى سوى أن يعيد المحاولة أملاً في لقاء عفريت الغابة. هذه المرة عاد الحطاب إلى الغابة، لكنه هذه المرة قال بصوت عالٍ:
"إن كنت تسمعني أيها العفريت، فأنا استحلفك بالله أن تجيبني، وإن لم يكن لك رغبة في لقائي، أنا الحطاب، فافعل ذلك لوجه الله من أجل كل أولئك المرضى الصغار والعجزة والمحتاجين. فلقد صاروا يعقدون آمالهم بعد الله علينا، وصرت أشعر أنني خذلتهم، وهم الذين شدوا الرحال من قرى ومدن بعيدة أملين منا مساعدتهم. وأنا أتمنى أن تساعدني أيها العفريت في ذلك."

ما كاد الحطاب ينتهي من ندائه حتى ظهر له عفريت الغابة فجأة وقال له:
"لقد قررت أيها الحطاب الطيب أن أخفي البئر بعدما اتخذ الغلام الذي وكلتم إليه مهمتك سلعة تُباع وتُشترى، وسعى للاغتناء منها على حساب المساكين والمحتاجين. وكنت أعلم أيها الحطاب الطيب أنك رفضت تقاضي أجر مقابل توفير ماء البئر للحكيم، وأنه هو الآخر لم يكن يشق على المرضى في أداء ثمن العلاج، ولم يسعى قط للاغتناء من الماء. لذلك تركت لكم البئر ولم أخفها عنكم. لكن بعد ما صار الأمر تجارة على حساب المرضى والمحتاجين، قررت التدخل وأخفاء البئر."

قال الحطاب:
"الآن علمت سبب منعك البئر عنا، والسبب تقصيري في تسليم البئر إلى يد أمينة تحافظ عليه وتحقق به مقصدها، وهو إعانة الضعفاء والمحتاجين. وأنا أرجو منك تجاوز غلطتي ومساعدتنا هذه المرة فقط."

صمت عفريت الغابة قليلاً، ثم قال:
"لأنك إنسان طيب وشهم، سأعيد لكم البئر مرة أخرى، لكن هذه المرة لن يستطيع أحد استخراج الماء منه غيرك. وإن أراد شخص آخر فعل ذلك، فلن يجد في البئر ماء."

قال الحطاب:
"لكنني، أيها العفريت، إن كرست وقتي لإيصال الماء للحكيم، فلن يبقى لي وقت لنقل الحطب وبيعه وتوفير لقمة عيش لبناتي الصغار."

رد العفريت قائلاً:
"أنت الوحيد الذي أتق فيه لأداء المهمة، وأنك كما وفرت لك الحطب في السابق، فأنا قادر على توفير حاجياتك وحاجيات بناتك. ثم تابع عفريت الغابة كلامه قائلاً:
'اذهب إلى الحكيم وأخبره ألا يأخذ أجراً من عند الفقراء والمحتاجين مقابل علاجهم بماء البئر، وأن يفرض على الأغنياء منهم والميسورين وكبار التجار أجراً مقابل ذلك. ثم استخلص كلاكما من المال ما يكفيك لتعيش به، وما بقي فهو للفقراء والمحتاجين من أهل القرية.'"

فرح الحطاب بكلام العفريت وشكره، وعاد إلى القرية وأخبر الحكيم بذلك.

سعد الحكيم هو الآخر بالخبر، لأن المرضى كانوا يتوافدون دون انقطاع مما سبب له حرجًا كبيرًا. والآن، وقد تحقق له المبتغى، وصار ماء البئر متوفراً لكل المحتاجين، بدأ الحكيم عمله بعلاج المرضى، وكان الكل سعيدًا بالنتائج.

وكان من بين المتوافدين للعلاج حكام وشخصيات بارزة وغنية، وكانوا يجزون العطاء. ففاضت الخيرات على الحكيم والحطاب. فصار الحطاب، بعد توفيره لحاجيات بناته الصغيرات، يشتري طعامًا وملابس ويوزعها على المحتاجين من أهل القرية، وصار معروفًا بلقب "أبي الكرم" لشدة كرمه مع الناس. وكان الجميع يحبه ويحترمه.

استثمر الحطاب محبة الناس في تحقيق إنجازات للقريه، فكانت مشاريعه كالسحر الذي غيّر ملامح القرية، محوّلاً إياها إلى واحة غنّاء. فكانوا يخصصون يومًا في الأسبوع لغرس الأشجار، ويوماً آخر لشق مسار للمياه لتقريب الماء الصالح للشرب من أهل القرية والفلاحين.

مرت الأيام والشهور وكبرت بنات الحطاب وبدأن يساعدن في أعمال الخير. وكان الحطاب كل مرة يمر على الغابة عائدًا إلى كوخه مع بناته، يجد دخيلًا يحاول سرقة ماء البئر، لكنهم بعد فترة يدركون أن البئر قد أَبَى أن يمدهم بالماء فيعودون أدراجهم خائبين.

وصارت أيام الحطاب وبناته مليئة بالسعادة والفرح، بسبب أنهم يساعدون المحتاجين وينشرون الخير في كل مكان تطأه أرجلهم. وصارت القرية أجمل بكثير مما كانت عليه بفضل الإصلاحات التي طرأت عليها، وصارت مضرب مثل بين باقي القرى والبلدات.

لمشاهدة القصة على اليوتيوب